صياد الســــــــــــمك ــــبقلم مراد ماني..
ـــــــــــــــ صياد الســــــــــــمك ـــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــ بقلم مراد ماني..
تأوب ليل يلوِّح لِأخر شعاع شمس
أضرم في كيانه شعلة منتقم
توشح السواد حزنا على يوم شيّعته الأماسي إلى مثواه الأخير،
تلوّنت مغارب الشمس بصفرة المودع الذي تساوره حشرجة الروح وهي تغادر بدنها،
آوت الأنام لجحورها تناشد نومة هنيّة..
لكن ليل العم لا يعرف وردية الأحلام
ترعرع ونبت في ركن من كوخه، كنخلة باسقة
تسقى من الم في أعماق الماضي السحيق..
كان فطامها الأسى..
يغازل النّوم كطفل، تستهويه قطعة حلوى
يرحل به الشّرود في ازقة الذكرى..
ويدك الليل حصون نومته الهنية..
يأته الأرق من كل جانب، رافعا رايات الغطرسة والإستفزاز
يشيح بوجهه لكل جهة..
فيترصده من كل صوب..
وفي ليلة صماء.. تدثرت نجومها، ركاما من السحب..
وأشاح القمر بوجهه عنها،
انشد الرعد معزوفته العصماء،
وشج البرق مابين المشرق والمغرب
وكأن السماء انشطرت ، وكشفت مكنوناتها وما وراء هذا الردء الحالك..
جاد المزن بحبات من ماء اشبه اليه من حصى تكورت بعيد وأتت على عجل..
او كعقد فك وثاقه.. فتناثرت حباته
اتى الليل ...
يحمل معالم يوم غابت فيه شمس العم.
وغابت معها سعادته غابت مؤنسته زوجته وطفله إختطفهما الموت عنوة..
رحلت بلا وداع أضرمت في كيانه نيرانا لا تخمدها بحار الكون..
غادره النوم بلا رجعة.. وتركه في دوامة الماضي يقلب دثارها، وتمازحه الآهات....
لقد كدرت الذكرى صفو العم، وبات الليل وحشا ضاريا، يلاحقه أينما حل وارتحل..
وبخطا متثاقلة... حمل نفسه، خرج من دثاره الذي استولت عليه وحوش الأرق الضارية
حمل نفسه رافعا رأسه للسماء يناجي خالقه
وعبر الشارع الطويل..
أدلج يجر أذيال الحزن والحيرة والشرود
مازالت السماء، تجود على الارض بمائها
مازالت السماء تختمر السحب، وغاب بريق نجومها
ظلاما حالكا تخترقه انوار خافتة منبعثة من نوافذ منازل، تكاد تستبين
واصل يمشط الشارع، يستمع لحبات المطر وينظر لفرقعتها على السيل...
يراود مسمعه ، قرع نعله وعراك القطط الجائعة تمشط حاويات القمامة،
وجهته مجهولة، لا يعرف إلى أين يستقر به سفره المفاجي في دجى ليل حالك الظلام..
فجأة إعترضت طريقه إمراة في عقدها الرابع اختمرت سوادا، تحضن وليدها الى صدرها وتسارع الخطى..
إعتلت العم دهشة ، كيف لإمرأة ان تجوب هذه الشوارع المظلمة لوحدها، وماذنب وليدها، لينال منه البرد والبلل..
ثم اختلى بنفسه يحدثها..
قد تكون هذه الأمة فرت من زحف حشود الأرق..
أو قد تكون الفاجعة أفقدتها صوابها..
وقد تكون ضواري الأرق هاجمتها هي الأخرى فاستوطنت فراشها..
اكتحلت عيناه منها.. على ضوء خافت من نوافذ احدى البنايات..
تشبه زوجته تماما..
استرسل الخافق يسارع ويسابق نبضه...
ثم حوقل ، والسير اكمل فلا كل ولا مل
مازال ايقاع حبات المطر يخضب ثيابه،
و انتهى به الشارع الى مرفا قوارب الصيد..
حتى البحر اكفهر حزنا، قد ران الليل على قلبه، يذرف أمواجه رغم عتوها تتكسر على الشاطي كقطعة زجاج..
يبكي زرقته وهدأته ويشدوا سمفونية الليل الحزينة...
لتتراقص القوارب المرسوة على إيقاعها..
جلس العم على كرسي من اسمنت هو الآخر مبلل.. واعتلت جسده قشعريرة البرد.....
قطع من ليله نصفه او اكثر.. يخالج فكره المتعلق بزوجته وإبنه..
تتصاعد تنهيدة من اعماقه..كزفرة..مشتعلة.
ممزوجة بخار انفاسه كدخان.. يغادر مداخنه
لكن تشبث فكره مرة اخرى بتلك المرأة..
وراح يرسم معالم وجهها.. مرة اخرى
انها شبهها تماما، صمت،وجعل لتفكيره نقطة نظام،انها لحظة ادراك ... فزع.... وهرول راجعا.......
سارع الخطى يمشط الشارع الصامت
ويبحث في فجواته.. يقلب النظر في اللاشيئ
تتطاير دفقات ماء المطر من اعقاب رجليه
راح يجتر المه، وكمد من المت به الخطوب..
قلبا جريحا . يقوده للمستحيل
يستقرئ جذوع الأشجار .
. ويترصد حركة كائناته
مازالت حبات المطر تغازل جسمه النحيف..
ومازالت قشعريرة البرد تسري في جسده
عاد أدراجه..والخيبة مغنمه
تعلق قلبه بأمل اللقاء بها مرة اخري
ضرب من الخيال.. ونقيع المحال
هيهات ان يعودوا من هم في القبور
تدارك رشده وحوقل
توقف لحظة يتوسط الشارع
قرع سمعه رنينا مألوفا لديه ..
فزع ظن انها سيارة ستدهسه
ثم تدارك شعوره
كان جرس سنارته التي رماها في الماء عله يغنم بصيد
وداهمه النعاس.في واضح النهار . وغاص في حلم. أخذنا معه بعيدا ......
بقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلم مراد ماني
لجمال تعقيب ل حنين الماضي آثرنا إضافته للنص
ايها الليل لا تكن أنت والزمن عليّ.. ارحم ضعفي وقلة حيلتي... أشفق على قلب كسير.. خاصمه النوم وجفاه الحب.. و خذله الأحباب والخلان.. وجثم ظلامك على صدره فزاد من ثقل همومه وأشجانه... أيها الليل لطالما اعتبروك خصما عنيدا وصاحبا لا يؤتمن له.. لكنك كنت لي أنيسا قريبا... ورفيقا رؤوما..وصديقا مخلصا... ائتمنتك على أسراري... وشاركتك همومي. وتقاسمت معك أشجاني... فدع روحي تعانق روحك وكن رحيما بي.
رد عليها الاستاذ مراد ماني
يرى الكثير في الليل وظلمته محطة نتوقف عندها ليقلنا قطار الهموم ليوم جديد، فيكون راكبا بجوارنا غير مرحب به.. نظرة سواد، وهدوء واختلاء بما يجوب في الخلد
لكن لو نظرنا من زاوية اخرى فالليل ملاذا امنا للهمس نهمس له بصدق فيسمع شكوانا، نبوح له بما تعلق بنا من اتعاب اليوم، وما حفرته المعاملات، مع غيرنا في قلوبنا، فيكون الليل خزانة اسرارنا، وشاهدنا الذي لا يخلف وعده ابدا..
الليل نعمة لا ندركها رغم ما يُعتم فيه من جوانب حياتنا
تعليقات
إرسال تعليق