«(8)»فلسفة الموت والحياة«(8)» // بقلم أ.: د/علوي القاضي.

 «(8)»فلسفة الموت والحياة«(8)»

رؤيتي : د/علوي القاضي.
... وقفنا فى الفصول السابقة على رأي الفلاسفة والمتصوفة وعلماء الإسلام في فلسفة الموت والحياة ، وكما شاهدنا كيف تناول الأدباء والشعراء وأبطال قصص الحب الشهيرة في فلسفة الموت والحياة ولاتزال المفاجٱت في تناول تلك الفلسفة العميقة واللامتناهية
... ويقول (ألبير كامو) ، أن مصير الإنسان يتحدد بعد وجوده في هذا العالم ، وليس قبلها ، إن المرء لايولد قوياً أو ضعيفاً أو واعياً ، بل هو يصبح قوياً أو واعياً ، وأن المصير ليس في الإنسان بل حول الإنسان
... وأرى أن الموت يأتى مفاجئا ، ليخبرنا بأنه ليس بين دنيانا وآخرتنا سوى (لحظه) ، وأن الموت أقرب إلينا من حبل الوريد ، لا كانت الدُّنيا لنا ، وماكُنا يوماً للدنيا ، كلنا لله وكلنا إليه راجعون ، الموت فاجعة والبعض من الأحباب لانصدق موتهم لكن عندما نتيقن الخبر ، ومع الأسى والفاجعة برحيلهم وانكسارة النفس ، نعيش في حزن دائم على فراقهم ، تلك هي المصيبة ، ولذلك لما سئل علي بن أبي طالب عن ماهو أشد من الموت فأجاب بأنه فقد الأحبة ، فرائحة الموت تفوح في كل مكان ، وكثرت صدماتنا مع كثرة الأموات ، ولانعلم من فينا يسبق الآخر ، ولانعلم كم بقي لنا ، ويبقى الموت هو أقسى مانواجه ، كونه الحقيقة الوحيدة الثابتة والراسخة ، فهو قادم لامحالة ، إن (صبرنا) أُجرنا وأمر الله نافذ ، وإن (ضجرنا) كفرنا وأمر الله نافذ ، فلاندرى أنخشى الموت لسكّراته وفتنته ووحشته ! ، أم نخشاه لفراق الأحبّة إمامُفارِقين أومُفارَقين ! ، وكأن الآية (ربنا أفرغ علينا صبرا) ، قد نزلت فقط لنواجه بها فاجعة الموت ، فاللهم هون علينا فراق من اُختلع قلبنا بفقدهم ، واللهم هون علينا سكرات الموت ، وآمنا من فتنته ، وآنسنا من وحشته
... أخي الكريم إعلم أن ٱخر لحظة في عمرنا ينزل ملائكة كثيرون ، وجوههم كالشمس ، معهم كفن من الجنة ، وعطر من الجنة من أجل طمأنتك ، يأتي ملك الموت في أبهى صورة ، ويقول لك من عند رأسك (ياأيتها النفس الطيبة أخرجي إلي مغفرة من الله ورضوان ورب راض غير غضبان ، فتخرج الروح كخروج نقطة الماء من الزجاجة بكل سهولة ! ، فتاخد ملائكة الرحمة (روحك) وتلفها في كفن الجنة وعليها عطر الجنة ، كل ذلك وأنت تشعر ، وتصعد بها إلى السماء ورائحتك تملأ مابين الأرض والسماء ، فتطرق الملائكة على باب السماء ، وتقول هذه روح فلان بن فلان ، بأحسن وأطيب إسم كنت تحبه في الدنيا ، رغم حزنك قبل موتك على قرب فراق أحبابك ، الملائكة تقول لك ، (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألاتخافوا ولاتحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياءكم فى الحياة الدنيا وفى الآخره) ، فربك الذي أكرمك ورحمك في الدنيا ، فما بالك بالآخرة ، وتشهد الملائكة كلها موكبك حتى يقول ربنا سبحانه وتعالى (أكتبوا كتاب عبدي في عليين) ، وماأدراك ماعليين ، كتاب مرقوم ، يشهده المقربون ، كتاب فيه أرقام ومكتوب فيه أسماء أهل الجنة ، ويشهد عليه ملائكة الأرض والسماء
... ومن فلسفة الحياة الشائعة في ثقافتنا مقولة (رب لاتحوجني لأحد ) ، عبارة دائما نرددها وفيها مخالفة للمنهج القرٱني ! ، لأنه قد يدعو الإنسان على نفسه وهو يظن أنه يدعو لها ، فقد سمع الإمام أحمد رجلا يقول ، اللهم لاتحوجني إلى خلقك ، قال الإمام أحمد ، هذا رجل تمنی الموت ! ، لأن هذا من الإعتداء في الدعاء ، وهو ينافي حكمة الله عز وجل ، قال ابن القيم في (بدائع الفوائد) ، (فكلُّ سؤال يناقض حكمة الله أويتضمَّن مناقضة شرعه وأمره ، أويتضمَّن خلاف ماأخبر به فهو إعتداء لايحبُّه الله ولايحبُّ سائله ،
فالقدرات بين البشر جعلها الله مختلفة لتحقيق التكامل البنائي) ، قال تعالى (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ، ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) ، (سخريا) التسخير بمعنى الإستخدام ، والحكمة هي أن يرفق بعضهم ببعض ، ويصلوا إلى منافعهم ، ولو تولى كل واحد جميع أشغاله بنفسه ما أطاق ذلك ، وكل الخلق مسخرون في الأرض بهذا التفاوت في المواهب والإستعدادات ، والتفاوت في الأعمال والأرزاق ، فالتسخير سنَّة إلهيَّة في البشر ، فالكل يستفيد من الكل ، ويرتوي من معين الآخرين
... ومن فلسفة الموت والحياة عند (القدماء المصريين) نجد أن فكرة التحنيط عندهم نشأت وتأصلت ، لأنه لم ترتبط الديانة المصرية بعقيدة البعث والخلود وفقط ، بل ظنّوا بأن الموت هو باب للعبور إلى عالم الحياة الدائمة وكانوا مولعين بها فلقد أسموها حياة الجنة الأبدية ، مما جعل المصريين يبحثون عن طريقة لسر الخلود فقاموا باختراع فن التحنيط ، فهو أحد الأسرار الذي إختص به فئة من المصريون القدماء ، وحرصوا على عدم إطلاع أي إنسان عليه ، وتمكن الباحثون من التعرف على هذه الأسرار ، وكذلك المؤرخون الكلاسيكيون الذين زاروا مصر والمعلومات التي قدمها العلم الحديث من خلال الإطلاع على الجثث وتحليلها وماعثر في القبور من أدوات وعقاقير تستخدم في التحنيط ، وطرق التحنيط الجيدة من الدرجة الأولى والثانية بقيت حكرا على الملوك والأمراء والأغنياء من الناس ، أماالمصريين العاديين فلم تحنط جثثهم بهذه الطرق ، فلجأ المصريون لإختراع طريقة ثالثة للتحنيط
... ومن فلسفة الموت والحياة عند (البوذيين) ، فقد عثر على هيكل عظمي داخل أحد تماثيل بوذا ، ورجح الباحثون أن هذا الإكتشاف يعكس مثالاً على التحنيط الذاتي ، حيث قام الرهبان بطقوس لتحنيط أنفسهم حتى الموت ، وخلال الفترة الأولى من التحنيط يتوقف الراهب عن تناول الطعام باستثناء الفواكه ويقوم بنشاط بدني مكثف لتجريد نفسه من كل دهون الجسم ، وقرب نهاية هذه الفترة ، كان يشرب الشاي السام المصنوع من عصارة شجرة (أوروشى) ، مما يتسبب فى القىء وفقدان سريع لسوائل الجسم ، كما أنه يعمل كمادة حافظة وقاتل للديدان والبكتيريا التى تتسبب فى فساد الجسم بعد الموت فى المرحلة الأخيرة ، وبعد سنوات من الإستعداد العنيف ، كان الراهب يحبس نفسه فى قبر حجرى بالكاد أكبر من جسده ، حيث يدخل فى حالة تأمل ، وكان يجلس فى وضع اللوتس ، وفى كل يوم يقرع الراهب الجرس ليخبر العالم الخارجى أنه لايزال على قيد الحياة ، عندما يتوقف الجرس عن الرنين يعني أنه مات ، فيرفع أنبوب إدخال الهواء ويغلق القبر ، وبعد 3 سنوات يتم فتح القبر لمعرفة ماإذا كان الراهب قد نجح فى تحنيط نفسه ، فإذا تم العثور على الجثة فى حالة محفوظة ، فقد تم رفع الراهب إلى مرتبة بوذا ، ويتم إخراج جسده من القبر ووضعه فى معبد حيث كان يعبد ويوقر ، وإذا كان الجسد قد تحلل ، أُعيد الراهب فى قبره ولايعبد
... وإلى لقاء في الجزء التاسع إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
... تحياتي ...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أوراق الخريف..وقلم نورة طلحة

((خاطرة : حُب النَبِي)) ابو بكر الصيعري

نصوص بوح الصورة ..القلم والقيد لمجموعة من الأساتذة الشعراء