"بلدة الفئران"نورة طلحة

 "بلدة الفئران"


في زاوية بعيدة من هذا العالم، كان هناك قفص كبير يضم عددًا لا يُحصى من الفئران. لم يكن هذا القفص مكانًا عاديًا، بل كان يشبه مدينة صغيرة بطرقاتها وأبنيتها، لكنه كان محكم الإغلاق، لا يسمح لأي فأر بالخروج. وُلدت الفئران هناك، وعاشت فيه، ولم تعرف يومًا حياةً خارجه.


فوق هذا القفص، كان هناك كيان غامض يراقب كل حركة وكل نفس، أشبه بظل ثقيل لا يُرى بوضوح، لكنه يتحكم بكل شيء من وراء ستار. كان الكيان يجري على الفئران تجارب قاسية، مرةً يقلل لهم الطعام حتى يتصارعوا على الفتات، ومرةً يقطع عنهم الماء الشروب ليختبر قدرتهم على الصمود. ومرةً يُنزِلُ عليهم وباء ليلتهوا بمقاومتهم أياما وشهوراً. في كل مرة، كانت الفئران تعيش في فوضى وقلق، تتساءل بينها وبين نفسها عن سبب هذا الألم، لكنها لم تجد أبدًا جوابًا.


الفئران عاشت في خوف دائم، فكلما حاولت واحدة منها أن ترفع صوتها أو تتساءل عن سبب هذا الظلم والفساد السائد، كانت تختفي في صمت، وكأنها لم تكن يومًا. ومع ذلك، كانت هناك مجموعة صغيرة من الفئران التي بدأت تتساءل: لماذا نعيش داخل هذا القفص؟ لماذا نعيش تحت رحمة كيانات ظالمة؟ أليس في البلدة راعٍ منصف؟ هل هذا هو العالم بأسره؟ أم أن هناك حياة أخرى خلف هذه الأسوار وهناك حُكّام عادلون؟


هذه الفئران الجريئة لم تكن كثيرة، لكنها كانت تؤمن بضرورة التغيير. وبدأت تهمس بينها عن ضرورة إيجاد حل، وعن أن الكيان الذي يتحكم بهم ليس إلا قوة جبارة تستغل ضعفهم. لكن مشكلتهم الكبرى كانت في عدم اتحادهم. ففي كل مرة حاولوا فيها التمرد أو الهروب، كانوا يتصارعون فيما بينهم بدلًا من مواجهة من يتحكم في مصيرهم.


تمر الأيام، والماء المقطوع زاد من قسوة الحياة في القفص. كل يوم كان يأتي بصعوبات جديدة، والفئران تُجبر على التكيف مع الواقع القاسي، بينما كان الكيان المجهول يراقبهم ببرود. مع كل قطرة ماء تنزل بعد انتظار طويل، كانت الفئران تدرك أن مصيرها لن يتغير إلا إذا كسرت قيود القفص التي تربطها بهذا السجن الكبير أو تشتت ذلك الكيان الظالم.


بقلمي نورة طلحة 

المغرب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أوراق الخريف..وقلم نورة طلحة

((خاطرة : حُب النَبِي)) ابو بكر الصيعري

نصوص بوح الصورة ..القلم والقيد لمجموعة من الأساتذة الشعراء