الحب والعطاء...بقلم الأديب صخر العزة

 الحُب والعطاء

هل يمكن للحياة في هذا الكون أن تستمر بدون مكوِّنانِ أساسيان فيها ، وهما الماء والهواء ، وهل يمكن للشجر أن يُثمر بدون أن يتزود بالماء والهواء ، وهل يمكن للحياة بكُلِّ كائناتها أن تستمر بدونهما ؟ فكينونة الحياة بهذان العاملين أمرٌ مهم ورئيسي للديمومة والإستمرار ، ولكن يوجد عامل ثالث لا غِنىً عنه في الحياة وبه لن تستمر الحياة على سجيّتِها ، وبه كان بدأ البشرية ، فما هو هذا العامل ؟ إنهُ الحب ، والذي به بداية التكوين بخلّق أبونا آدم وأُمّنا حواء ، قال تعالى : ( ومن آياتهِ إنْ خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسْكُنُوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة ، إنَّ في ذلكَ آياتٌ لقومٍ يتفكرون ) ولكن هل الحب يكفي بدون عاملٍ آخر مكملٌ له ويأتي مُتلازمٌ معه وهو العطاء ، فلا معنى ولا طعمَ للحُبِّ بدون عطاء ، ولا معنى للعطاء إذا ما كان نابعٌ من حبٍ صادق  وخير العطاء وأسماه عطاء المُحِب بلا مقابل والحب والعطاء لهما أوجه كثيرة ، وليس أسمى من عطاء الوالدين ، وعطاء المُحِب المُخلِص والصديق الصدوق والخِلْ الوفي ، والعطاء وحب الوطن من أسمى وأعظم صور العطاء والذي تُبذلُ فيه الروح والدماء فداءً له

فالعطاء هو أول عِطرٍ يخرجُ من شجرة الحُب ، ولا قيمة للعطاء إن لم يكُنْ جُزءاً من ذاتك ، والشجرة المثمرة الوارفة الأغصان لن تكون كذلك إذا ما رويت بالماء النقي والسماد الطبيعي ، والأزهار لن تتنسم عبيرها وشذى عطرها إذا ما حافظت عليها ورعيتها ، فجُد بسخاء لتجني طيب ما زرعت ، فالعطاء لا يمكن أن يكون عطاءاً صادقاً وخالصاً ونقيَّاً إذا ما كان نابعاً من حُبك لمن تقدمه عطاؤك ، فالحب والعطاء مُترادفان ولا يصدُران إلا من نفسٍ سوية ، ولا يُعبران إلا عن إتِّزان الدواخل وصدق المشاعر ، ومن يُعطي فنفسهُ زكيةٌ ونظيفه خالية من الحِقد والضغائن والأنانية ، ولا يكون العطاء إلا بالحُب الصادق الذي هو عنصر قوة ومؤشر حكمة ، ومن يزرع الحُب لا يحصد إلا الحُب ، ومن يُجزِل العطاء لا يعدم جوازيهِ ، والحُب الصادق هو بُستان القلوب ودماؤه ونماؤه العطاء ، فبالحُبِّ والعطاء نصلُ إلى ذروة السعادة ، قال جبران خليل جبران : ليس السخاء بأن تُعطي ما أنا في حاجةٍ إليه أكثر منك ، بل السخاء أن تُعطي ما تحتاجُ إليه أكثر مني

وقال ابن الرومي في ذلك: 

ليسَ الكريم الذي يُعطي عطيتهُ 

على الثناءِ وإن أغلى به الثمنا 

بلِ الكريم الذي يُعطي عطيَّتهُ 

لغيرِ شئٍ سوى استحسانهُ الحسنا

صخر محمد حسين العزه 

عمان- الأردن 

24/2/2022

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.