جميل أن تجد من تحب حروفه،
لكن الأجمل أن تجد من يحب حروفك!
#يعيش أحد المثقفين السلوكيين العرب حروفي، ليفاجأني بقراءته، لإحدى قصصي القصيرة جدا، (#مناصرة )، والتي نشرتها، وسابقت بها في الرابطة السورية،قبل بضعة أشهر.
فشكرا دكتور/ #عبدالحميد سحبان، بحجم نبلك، وكرمك اهتمامك!
شكرا يليق بك أستاذنا الفاضل، إطلالة على نصي، كل جمال لن يكون في منتهى جمال موضوعيتك الأدبية،
أترككم مع قراءته، المشبعة بالإثراء الثقافي :
#إطلالة في سطور (04)
على الققج بعنوان "مناصرة"
للقاص اليمني نجيب صالح طه (أمير البؤساء)
بقلم الناقد الفني الدكتور عبد الحميد سحبان
"مناصرة"
"أراد لها الطفوَ على السطح، افترض قوائمَ للمؤيدين، الموالين، المعارضين، تحقق نزوحهم جميعا للقائمة الأخيرة، صنع منها شراعين لزورقين ورقيين، ألقاهما في بحر العرب".
نص يثير جدلية العلاقة بين الأدب والسياسة وبالخصوص دور الأدب في بصم السياسة لأنه يعد السبيل الأمثل للتعبير عن إرادة الحرية والتغيير. فالأديب المتمرد والصادق الذي ينأى بنفسه عن مختلف الإغراءات يكون من الصعب تدجينه وتطويعه، الشيء الذي قد يمكنه -إذا ما سمحت الظروف بذلك- أن يزرع بذرة تغيير قد يكون من المستحيل تحققه. وفي نفس السياق، فإن الأدب والأدباء يخدمون السياسة بشكل عام. فعند اندلاع الحرب الروسية ضد ألمانيا النازية، ناشد "جوزيف ستالين" القائد الثاني للاتحاد السوفياتي الشعب الروسي بالدفاع عن أرض الأديبين الروسيين الشهيرين "تولستوي وبوشكين". وفي حفل تخرج أول فوج للمهندسين ببريطانيا قال رئيس الوزراء آنئذ "ونستون تشرشل" بأن هؤلاء الشباب سيعملون على تقدم البلاد لكن إنكلترا تعرف بـ "ويليام شكسبير" عملاق وجوهرة الأدب الإنجليزي. أمثلة تدل على أن الأدب يخدم هوية الدولة وهيبتها الاعتبارية، ولعل أبرز هذه الأمثلة هو استناد ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية على أدباء وفلاسفة أمثال "غوته ونيتشه وهيكل" كرموز مضيئة للقطع مع الحقبة الهتليرية.
1- (I HAVE A DREAM) "عندي حلم"
يبدأ القص بحلم عظيم "أراد لها الطفوَ على السطح" أمتنا، كما هي كل الأحلام الذائعة الصيت، لقد كان حلم "أتو فون بيسمارك" بتوحيد الأمة الألمانية كبيرا بكل المقاييس، وكان "حلم "نيقولا ميكيافيلي" بالتئام الأمة الإيطالية المتشرذمة تحت راية أمير واحد مستحيلا في إبانه. وفي أبلغ خطابات الغرب في القرن العشرين ردد "مارتن لوثر كينج" قائلا "عندي حلم" سبع مرات، لأنه كان مصرا على شق جبل اليأس بصخرة الأمل من أجل القطع مع دابر العبودية في تناغم تام مع أبلغ المقولات الحقوقية العالمية للفاروق "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أماتهم أحرارا". حلم صاحب النص سامق في سماء التطلع بأن يرى زوارقنا الحقيقية تطفو على بحر هويتنا العربية مرفوعي الرأس وسط الأمم المحيطة بنا. "أراد لها الطفوَ على السطح" [...] في بحر العرب "
2 (HI ! POVERO) يا لهزالة الحلم
هكذا تهكم الشاعر الفرنسي "آرثير رامبو" (ARTHUR RIMBO) في مخطوطته الهجائية بعنوان "حلم بيسمارك" (LE REVE DE BISMARK) على حلم للمستشار الحديدي الذي كان يطمح إلى توحيد الأمة الألمانية. ولقد استعمل "رامبو" اللغة الإيطالية للتهكم، في إشارة إلى أمة ممزقة غارقة في التفرقة والتشرذم. والعجيب أن قاصنا لم ينتظر أي جرير أو فرزدق ليهجو حلمه بل باشر ذلك بنفسه عن طريق إخبارنا بأنه ليس بين القنافد أملس، لأنهم جميعهم "متناصرون" ومتكالبون على حشر أنفسهم في نفس الزاوية بـ"نزوحهم جميعا للقائمة الأخيرة" وبدون شك "الأخيرة" في الترتيب والمصداقية. لقد سخر القاص أيضا منهم جميعا في قوائمه المفترضة المكونة فقط من "مؤيدين، موالين ومعارضين" في غياب تام للمحايدين كصمام أمان سياسي واجتماعي واقتصادي مما يعني أن المجتمع قابل للانفجار إن لم يكن للأسف قد حدث بالفعل.
3- (UN LONG CHEMIN) طريق طويل
كما جاء في رواية حديثة بعنوان "حلم ماكيافيل" (LE REVE DE MACHIAVEL) لكاتبها الفرنسي "كريستوف باتاي"، (CRISTOPHE BATAILLE) نقل فيها الدراما الحزينة لصاحب كتاب "الأمير" الذي شهد في آخر أيام حياته -وفي ظل تمزق إيطاليا- مأساة الفقر والوباء والبؤس في أعتى أشكاله. صورة قاتمة أظهرت أن طريق تحقق الحلم طويل وشاق ولم ير النور إلا بعد مرور أكثر من ثلاث قرون على زرع بذرة خريطة التوحيد في كتاب رائد. فكم قد يستغرق زمن تحقق حلم كاتبنا؟؟؟.
4- إني أغرق، أغرق، أغرق !!!
هكذا أنهى نزار قباني قصيدته "رسالة تحت الماء" والتي تردد صداها الموجع في كل البيوت العربية بصوت عذب. إنه نفس المصير الذي أنهى به الكاتب حلمه البعيد المنال في اللحظة الراهنة، لأننا لسنا حسب قصه سوى زوارق ورقية في بحر هويتنا العربية، مصيرنا الغرق بللا، فيا لها من خيبة !!! ألم يكن "مكيافيل" عندما شهد انهيار الانسانية في مدينته "فلورانسا" يرى هو الآخر بأن الممالك الإيطالية المتشرذمة والمتناحرة آنئذ زوارق ورقية تغرق في بحيرة البندقية؟.
5- "أمس اتصلت بالأمل"
لامس "أحمد مطر" المستحيل في قصيدته التي حاور فيها الأمل واستطاع بعبقريته الشعرية الفذة تقطير العسل من الحنظل والعطر من البصل، فكيف ألاَّ نقطر الاتحاد من التمزق والقوة من الضعف؟. يجب فقط الاَّ نيأس وأن تكون محنة "سيزيف" وصبر "أيوب" نبراسنا وبوصلتنا.
"فلا بد"، "ولا بد" الأولى والثانية من مطلع قصيدة "إرادة الحياة" للشاعر التونسي "أبي القاسم الشابي" أن يأتي زمن مشرق بعد زرع بذرة أمل تغيير وضعنا عبر أدبنا العربي الذي يزخر بالعديد من النطف الغير مكتشفة. ولعل كتاب أبي العلاء المعري "الصاهل والشاحج" أبلغ دليل على وجود نواة سيأتي الوقت لكي تترعرع وتنمو ليمتد ظلها على جميع أرجاء وطن الضاد الحبيب، ما علينا إلا أن نسقيها بأفكارنا وطموحاتنا حتى تعود لنا "جنة عدَن" الأرضية أفضل مما كانت عليه، وأن يصبح صاحب الحلم الكبير أميرا للسعداء.