المعرفة والعلم والحكمة: // بقلم أ. د. غسان صالح عبدالله

 المعرفة والعلم والحكمة:

قال أدون لويس استاذ الكيمياء والجيولوجيا لطلابه المتخرجين عام ١٨٨٢:
مهما بلغ الإنسان من مرتبات المعرفة والعلم ومهما توصل العالم في بحثه إلى مظاهر الحقائق الكونية تبقى معرفته وعلمه قاصرين تجاه الحقيقة الخالدة، صانع المادة ونظم هذا الكون بكل تلاوينه ، والدليل هو ان طرق المعرفة وإن تباعدت عند الناس لكنها دائما في تحول صعودي ونزولي ، وكذلك العلم كل يوم وسيبقى يبحث فيما وصل إليه الآخرون ويبدأ منها، وليجد أن ما سبقه لم يصل إلى الحقيقة بل إلى بعض أطرافها، وكل مستبصر يعلم إن تطور العلم الحديث في كل ثانية يأتي بشيء جديد كان من قبل مجهولا، يعني أن ما سبقهم من اهل العلم والمعرفة كانوا قاصرين عما وصل إليه هذا الباحث أو العالم وعما سيصل إليه من سيأتي بعده وهذا دليل آخر.
وقال بعد عرضه لبعض الأمراض وأسباب الإصابة وطرق العلاج ..
هذا هو العلم وكل من سلك هذا السبيل وبحث في علل الأشياء وعلقها بعللها فعل فِعل رجال العلم مهما كان فعله وضيعا واكتشافه صغيرا ، فلكل مرض وعرض علة ، ولكل شر في الهيئة الاجتماعية علة..
ثم انتقل إلى التفريق بين العلم والحكمة بين أن فرق بين المعرفة والعلم فقال:
وعلي الآن أن امكّن في أذهانكم الفرق بين العلم والحكمة لتعرفوا معرفة واضحة أن العلم له حدود لا يتجاوزها بل يحتاج إلى أشياء أخرى خارجة عن حدوده وأعلى منه تحوله مما هو عليه إلى غير ما هو عليه ، وتثبت فيه الحياة بعد خلوه من الحياة ، كما أن العلم نفسه يحول المعارف على غير ما تكون عليه ويحييها بعد موتها بكشف عللها ووضعها في موضعها.
فاعلموا ان العلم ليس الحكمة ، لأن الإنسان قد يقسم كل ما عنده من المشاهدات بنواميسها وعللها ولا يكون حكيما ، والعلم يرتقي فيه الإنسان إلى الذرى السامية ولكنه لا يزال يجد فوقه ذرى اسمى من التي ارتقى إليها.
فبالعلم يستطع أن يعرف شيئا عن وجود الله ، علة كل العلل، ولكنه يقصر عن إدراك من هو الله وما هو الله ، بالعلم يستطع الإنسان ان يعرف شيئا عن نفسه وعن الطرق التي نشأ بها وترقى ، ولكنه لا يستطع أن يعرف أصل ما يجعل الإنسان إنسانا ولا أصل الميل الشديد الذي في نفسه لمعرفة الحال التي يصير إليها ، فلا منظار فلكي يرينا الله ولا منظار مكبر يرينا نفس الإنسان ولا كيمياء تكشف لنا سر الحياة ولا سر الإنسان.
اما الحكمة فمن اين توجد وأين هو مكان الفهم ، الغمر يقول ليست هي فيّ، والبحر يقول ليست هي عندي ، الله يفهم طرقها وهو عالم بمكانها لأنه هو ينظر إلى أقاصي الأرض تحت كل السماوات يرى، هو ذا مخافة الرب هي الحكمة والحيدان عن الشر هو الفهم، فالعلم ليس الحكمة ولن يصير الحكمة مهما ترقى واتسع. فمهما علمنا العلم ومهما كشف لنا في مستقبل الزمان عن ترقي الإنسان في الأيام الغابرة فلن يعلمنا شيئا عن هذا الأصل الصحيح وهو أننا أولاد الله ، ومهما كشف لنا عما يرتقي إليه الإنسان في أيامه الآتية فان يعلمنا شيئا من مثل هذا التعليم الجليل وهو إنا خالدون إلى الأبد ورثة ملكوت لا نهاية له.
ذكرني هذا العالم بأهل الحكمة من علماء الإسلام والمسيحيين الأوائل الذين سلكوا طريق العلم وكيف فندوا طرق الإستدلال إلى الخالق من خلال المخلوق، وذكرني بقول للإمام علي كرم الله وجهه " خلقنا وأياكم للبقاء لا للفناء وإنما الموت الإنتقال من دار إلى دار" .
لقد أعادنا هذا الدكتور الجيولوجي إلى غاية العلم ومنتهاه بطريقة العالم الإلهي المستنير بنور الحكمة، فيقدر ما نحتاج إلى المعرفة والعلم ، نحن بحاجة إلى الحكمة المتمثلة بالدين الإلهي .
فالعلم توجهه الحكمة وتحدد غايته ، فكل علم بلا غاية لا قيمة له، وقيمة العلم وسموه يتبع غايته ، والعلم بلا غاية سيبقى ذاكرة بلا فهم وتدبير ، ولا يمكن أن يقدم فائدة للبشرية ، والعلم حالة تكميلية للحكمة ، والحكمة مصدرها الحكيم العالم الخبير القدير.
د. غسان صالح عبدالله
قد تكون صورة لـ ‏شخص واحد‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.