أخ لم تلده أمك...بقلم الأديب صخر العزة

 أخٌ لم تلِدهُ أُمك

لقد خلق الله الإنسان وخلق معه أمور كثيره وزرع في نفسه صفات لكي تكتمل معه الحياه ويتدبر شؤون نفسه ، ولكن لا يمكن للإنسان أن يعيش بمعزل عن أخيه الإنسان ، فمن طبيعة الحياه أن يكون كل إمرئٍ مُكملاً للآخر بالتعايش والتعاون مع بعضهم البعض ، ولا يمكن أن يعيش الإنسان إنطوائياً وقد قال الله تعالى عز وجل : 

( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، إن الله عليم خبير ).

لقد حضَّ الله عز وجل في آيته الكريمه عباده على سِمةٍ مُهِمه وهي التعاون والتعارف فيما بينهم ، لأن الحياه قامت على التكامليه في كل شئ ، فالتعارف والتعاون بين المرء وأخيه هي جزءٌ من هذه المنظومه الدنيويه، وقد كرَّم الله الإنسان باستخلافه في الأرض ليعمُرها ، وليكون على قدر هذه المسؤوليه التي أبت الأرض والجبال والسماء أن يحملنها ، وحملها الإنسان . قال تعالى : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ، وحملها الإنسانُ إنه كان ظلوماً جهولا ) . ولا يكون إعمار الأرض إلا بتظافر جهود الإنسان مع أخيه الإنسان ، وإن أكرم الناس عند الله من اتقى ربه وتحلى بالأخلاق الحميده .

ما أنا بصدد ذكره وطرحه هو موضوع الصداقه التي هي من أهم صفات الإنسانيه ، وبها كل إمرئٍ يُكمل الآخر ، فالصداقه هي من أكبر النٍعَم على الإنسان فالصداقه هي كالزهره أو النبته التي نرويها بالمياه العذبه وبالسماد النقي لتحصد منها اجمل العطور والرياحين ، والصداقه الحقه هي شجرةٌ بذورها الوفاء وأغصانها الأمل وأوراقها السعاده وهي الزهره التي تنمو بالوفاء ونحيطها بتراب الإخلاص ، الصداقه هي تلاحم شخصين في شخصية واحده ، كل منهما يحمل هموم الآخر ، ويكون مع أخيه في السراء والضراء  ، ويجابهوا معاً عواديَ الزمن ، الصديق هو الأخ الذي لم تلدهُ أمك ، وكما قال لقمان الحكيم : ( رُبَّ أخٍ لك لم تلدُ أمُك ) فالكثيرون يمرون في حياتنا مرور الكرام ، وآخرين تتجسد بهم معنى الأخوه الحقه بتفانيهم ووفائهم وحبهم للإيثار بخدمة اصحابهم ، ويشاركوا أصدقائهم في كل معتركات حياتهم ، فأمثال هؤلاء هم هدية ربانيه فقد تغيبهم الحياه تارة لظروف الحياه ، ولكن يبقون راسخين في ذاكرتنا وبصمتهم باقيه محفوره خالده في أعماقنا ، وتتجلى أجمل صور الإخاء في تاريخ البشريه وهي المؤاخاه بين الأنصار والمهاجرين في بداية عهد النبوه ، فكان كل فرد يتقاسم مع أخيه المسلم لقمة العيش والبيت وكل مناحي الحياه التي يحتاجها ، وقد قال رسولنا الكريم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عُضوٌ تداعى له سائرُ الأعضاء بالحُمّى والسهر ) وفي هذا الحديث تعظيم لحقوق المسلمين والحض على تعاونهم وتعاضدهم وملاطفة بعضهم بعضا   

فالصداقه هي الكنز وهبة الله التي لا يجب أن نفرط بها وأن نعض عليها بالنواجذ مهما حصل ، وأن لا نأخذ عليه بزلة معينه ، اذا جانبه الصواب بل نكون له الموجه والمرشد بدون أن نفتقده وكما قال الشاعر : 

وإذا الصّديق أسى عليك بجهله              فاصفح لأجل الودّ ليس لأجله

فحافظ ايها الإنسان على الصديق الصدوق الذي معك ويحفظك من عثرات الزمان ، وتجنب كل من ادعى الصداقه ولا يحفظ الود وكما قال الشافعي : 

إذا المرءُ لا يرعاك إلا تكلفاً                فدعه ولا تكثر عليه التأسفا 

ففي الناس أبدالٌ وفي الترك راحةٌ        وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا

فما كل من تهواهُ يهواك قلبهُ              ولا كلُ من صافيته لكَ قد صفا

إذا لم يكن صفو الوداد طبيعةٌ             فلا خير في ودٍ يجئُ تكلفا

ولا خير في خلٍ يخون خليله              ويلقاه من بعد الموده بالجفا

وينُكرُ عيشاً قد تقادم عهدهُ                ويظهرُ سراً كان بالأمسِ قدْ خفا

سلامٌ على الدنيا إذا لم يكُنْ بها           صديقٌ صدوقٌ صادق الوعد منصفا 

 

صخر محمد حسين العزه                                                                                          

عمان – الأردن 

1/3/2022P

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.