هزيمة" لكاتبه القاص أ / نجيب صالح طه..وقراءة للأستاذ زكريا نور الدين

 قراءة لنص الققج " هزيمة" لكاتبه القاص أ / نجيب صالح طه ( أمير البؤساء)

النص:

هزيمة...

تجاوز عثراته بساعدٍ دون عضد، لما وصل، آزرته العشرات ، تعرقت راحته، سألت شماله : أين كانت أيديهم ؟!.

نجيب صالح طه ( أمير البؤساء)_ اليمن 


الاشكالية:

هل هو تحدٍ أم عقاب؟ عن أي ساعد و أي عضد يقصد الكاتب؟من المقصود بالعشرات؟ هل شماله تنعي يمينه؟ و لم السؤال عن الأيدي؟. 


- بالعودة للنص..

نرى أن الكاتب ذهب بنا بعيدا بالترميز و الايحاء بنصه هذا الذي بين ايدينا مدركا بذلك قوة الشرطين في تكوين ققج ذات بعد، و هذا ما نريد ان يكون في صناعة القصة القصيرة جدا  و احترام شروطها و اركانها دون الغلو في السرد المطنب و السفسطة، و النص واضح بمفرداته السهلة حتى الغموض الذي يعتريه و التلغيز الذي يشوبه جميل و مائز لدرجة إدراكنا لفحوى النص و هذا  ما جعل منها قصة تستوجب علينا التأمل و المثابرة في حل و فك شيفراتها و مراقبة الايحاء و الترميز عن كثب كي نجد النافذة المطلة على عقلِِ صانعِِ لهكذا قصة... 


      ما ان ولجت عتبة النص حتى استوقفتك "هزيمة" كعنوان للنص بين أيدينا، و القارئ لهذا العنوان يجد فيه حصرا و تحديدا، فالبين من العنوان أن هنالك  انكسار، سقوط، هزيمة...الخ و الدارس للعنوان و المقاربة بين المفردات لا يجد سوى انحصاره في موضوع النص و هذا غالبٌ لما استقصيته من خلال النص و حيثيات السرد المبطن فيه، و هذا محسوب للقاص الذي  ارسلنا في سرمدية قرار الكلمة و انحصارها بمفهومها لا غير،  دائما ما نعتمد في القراءات على القرآن و الاحاديث و الأساطير و الأمثلة و الروايات وغير ذلك مما يستلزم الإختزال و يقبله طوعا أو كراهية، أما العنوان "هزيمة" فما له من دليل عن نتاص أو اقتباس، كما أن الكاتب و من خلال التجول بأروقة النص لم يعتمد على شخصيات كثيرة بل هي عرض حال لواقع عايشه أحدهم ، فدائما ما أقول و أروج لمقولتي أن" الأدب عرض حال" و هو ما قام به صاحب النص هنا. 


- استهل الكاتب نصه ب(تجاوز عثراته بساعد دون عضد) هنا دلالة على وجود شخصية الكاتب الرئيسية و هي شخصية إما تعاني من إعاقة كما هو مبين أو فاقد لأب او أم او أخ أو صديق أو.... تتعدد القراءات لهكذا كلمة "عضد" و هنا نقف عند قوله تعالى" سنشد عضدك بأخيك" الآية... في إشارة الى هارون أخ سيدنا موسى و الذي دعى ربه  إذ قال " أرسل الى هارون أخي"... الآية...

في هكذا مقام حتى و إن لم يقصد الكاتب بذلك تناص الا انني اراه كذلك، كون القرآن الكريم هو عضد اللغة العربية و جسدها، و في هذا المقام يحضر التناص كركن من اركان القصة القصيرة جدا و الذي يضفي جمالية على القصة و يمنحها حسا و نغم. (لما وصل، آزرته العشرات) هنا نقطة وصول قد يكون الوصول هنا في حد ذاته لغزا، قد تكون الشخصية بلغت مراتب من التعليم او الجاه او السلطان او غير ذلك مم كان تحديا لهاته الشخصية، و الذي من خلاله وصل الى مبتغاه، و هنا فوز مضمر غير معلن لأن الشخصية الرئيسية و رغم النقص الذي يشوبها الا انها استطاعت الوصول لمبتغاها في الوقت الذي آزرته فيه العشرات و هنا نجد أن هذا الشخص قد لاقى دعما معنويا لا ماديا بما أنه في قادم النص دلالة على ذلك و المتمثل في السؤال و الذي جاء في القفلة(تعرقت راحته) هنا دلالة على الجهد المبذول و المضني الذي عكفت عليه الشخصية في النص، و قد تبين لنا أن العضو  المفقود قد ظهر و بان في كلمة "راحته" أي أن الامر يتعدى لكون العضد مجرد يد بل اكبر من ذلك كما سبق الاشارة اليه (سألت شماله: أين كانت ايديهم) في دلالة لكون الشخصية لم تلق الدعم المكفول من قبل العشرات التي آزرته و نحن نعلم أن النفاق سمة الكثيرين في هكذا موقف فتجد المثابر له صفات غير تلك التي يستم بها المتقاعسون كالجد و المثابرة و الكد في العمل و الأمل ببلوغ الرغبة المرجوة فكان بلوغه لمرامه نصرا له و هزيمة في المقابل لتلك العشرات من الناس و الذين لم يمدوا له يد العون و تركوه وحيدا يكادح و يثابر فسقط عن وجوههم قناع النفاق ساعة وصوله لهدفه المرجو لتكون بذلك هزيمة لهم و نصرا له. 


    كما يبدو لي فإن الكاتب ابرق الينا حالة من التحدي، و العمل و المثابرة و النفاق و ....الخ  في هاته القصة لتكون بذلك  قصة قصيرة جدا متكاملة الاركان و الشروط. 


- هذه نظرتي.. ولعل هناك تأويلات أخرى لا تنفك تظهر للعلن ما إن تعددت القراءات.

......................................

نظرة سريعة على بعض خصائص النص الفنية: 

1/العنوان :(هزيمة) جاء نكرة غير معرف ...إلخ 


٢- الاستهلال: اعتمدت الكاتب على شد القارئ بأسلوب سردي  مع  حشو قصد تثبيت  انتباهه في محاولة منه لحصر القراءات و استنباط ما يجده الكاتب مفروض و ما يراه القارئ معروض، حيث أن الكاتب اعتمد على قلة الوصف و ادرك أهمية الاختزال قدر المستطاع فكان له ما يصبوه و يرومه في طرح حالته  و هذا ما يقوي الققج سواء من ناحية الشروط و الاركان فالاختزال و قلة الوصف يعزز تعدد القراءات و يبسط سرديتها، و هذا ما لا يرغبه الكثير و لا يطالب به عديد الكتاب، و هو ما سبق و ان حكم بضرورة الاختزال و التقليل من الوصف مع الحشو غير أن التلميح و الايحاء طاغ في النص... 


٣- القفلة: جاءت كما اراد و ليس كما أردنا فالقاص أفلح في جعل  النهاية جد جلية خاصة من خلال رصد العنوان و الذي يجب أن يكون بعيدا عن حيثيات القصة و يكاد يدنو منها، و هذا ما جعلها قوية لتبقى بذلك قفلة جميلة. 


٤- الرمزية: نص طغت على احداثه الرمزية والأيحاء،

مثال لبعض الرموز: 


*بساعد دون عضد: دلالة على المضي قدما دون رفيق او صديق او داعم او.....الخ.

*تعرقت راحته: دلالة على العمل الجاد و الدؤوب..

*سألة شماله: دلالة على فقدانه لليد اليمنى و التي ترفع صاحبها دون الحاجة لمساعدة و هنا نرى أن شماله لم يكن ليتلقفها أحد من المآزرين.

* أين كانت أيديهم؟!: هنا دلالة على الإحباط في الثقة التي كانت ممنوحة لأشخاص قد تركوه و لم يعينوه. 


٥- السرد واللغة والتكثيف: سرد موفق لأحداث القصة، نص يتسم بالحشو و التكثيف، كذلك ببساطة المفردات و جمالية الوصف. 

- لغة سهلة بمفردات عمومية واضحة، استخدم القاص الأفعال الماضية عموما.

- قدم الكاتب نصه بطريقة خاطفة، من الماضي الى الحاضر في محاولة منه لثتبيت فكرته و صناعة قصة ذات بعد زماني. 


٦- الشخصيات: هنالك شخصية رئيسية بارزة و هي التي تحاول الوصول الى هدف ما ...إلخ مع وجود شخصيات اخرى أو جمع اوحشد من الناس. 


٧- الزمان والمكان: حصلت أحداث القصة في زمن الماضي، بدليل استخدام الكاتب للأفعال الماضية في سرده،

*المكان غير محدد مادام النص لم يشر الى ذلك.

    و في الختام و من وجهة نظري أرى أن الكاتب قد أفلح في صياغة قصة قصيرة جدا متكاملة الاركان من العنوان الى النص الى القفلة على الرغم من كثرة الايحاء و الترميز فيها.

أما السؤال الذي يطرح نفسه هل كانت الشخصية متعلقة بأشخاص بالفعل هم خاذلوه؟. 


الكاتب و القاص:

زكرياء نورالدين.


شكرا للأديب اولقاص الجزائري /#زكرياء نور الدين، بحجم  نبله على  هذه  القراءة الأكثر من رااائعة، والتي  قرأت ماخلف  السطور  بتمكن  يثير  الإعجاب والدهشة.

دام عطاؤك، أستاذنا، وأنت  ومن  تحب  بخير.

أ/ نجيب صالح طه 

(أمير البؤساء )_ اليمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.