وحَّدتنا الكُرة وفرَّقتنا السياسة // بقلم أ. صخر محمد حسين العزة

 وحَّدتنا الكُرة وفرَّقتنا السياسة

أعود للكتابة عن مونديال كأس العالم في قطر ، وذلك لأهمية الرسائل التي وجهتها قطر للعالم أجمع بهذه التحضيرات التي قدَّمتها لتنقُل صورةٍ مُشرقة ورائعة للتعريف بأُمة العرب والإسلام ، ولتمحو أفكار الشعوب الغربية المشحونة بالحقد ضد أُمتنا من حُكَّامهم ، فتألقت قطر وأبدعت وعلت وشمخت ، فكانت أبهى صورة لإفتتاح المونديال بآية من القرآن الكريم من سورة الحجرات- الآية 13 : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ليتلوها الشاب الرائع من ذوي الإحتياجات الخاصة غانم المفتاح ، وقد كان اختيار هذه الآية بتلاوتها من هذا الشاب تحديداً ، ومن ثمَّ ذلك الحوار بينه وبين الممثل العالي ذو البشرة السوداء مورغان فريمان ، لتقول لهم أن هذه رسالتنا لكم أن ديننا هو دين الإنسانية الذي انتشر بالعدل والمساواة ولا فرق فيه بين عربي وأعجمي ولا بين أبيض أو أسود ، أو بين غني وفقير إلا بالتقوى ، فأين أنتم من الإنسانية يا من استعبدتم الشعوب وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟!! وبعدها ينطلق نموذج طائرٌ باللباس الأبيض كحمامة السلام مُتشحاً بالكوفية ليدُل على هوية هذه الأمة الماجدة ، ومن ثمَّ يُقدم إستعراض لتاريخ الحضارة الإنسانية منذ البدء وحتى الآن ، وكيف أنَّ العربي قد إنتقل من الخيمة إلى القصر، وبعد ذلك يأتي الحوار الشيق مع الشاب المبدع غانم المفتاح والممثل العالمي مورغان ، وقد قال مورغان بعد أن سمع الآية أنه لأول مرة يسمعها ويقول : ( يبدو أن العالم أكثر تباعداً وانقساماً. متسائلاً: “كيف يمكن أن تجتمع عدة دول وثقافات إذا كان لكل منها طريقته الخاصة”. وعلق غانم المفتاح: “نحن نشأنا على هذه الأرض شعوباً وقبائل لكي نتوحد" ، فرد عليه مورغان: “أرى الآن أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا.. كيف يمكن أن نديم التوافق أكثر وأكثر”. فأجابه الشاب القطري: “بالتسامح والإحترام يمكن أن نحيا معاً تحت سقف واحد وقال أيضاً : أن بيت الشعر هو خيمة البدوي التي وضعت لتكون بيتاً للجميع “وعندما ندعوك إلى هنا يكون بيتك ونجتمع هنا كقبيلة واحدة”، وتابع: “الأرض هي الخيمة التي نعيش فيها جميعاً”. ) .
وقد تجلَّت عظمة قطر بأن أعطت درساً لكُل زائرٍ لها لحضور المونديال من دول الغرب بأنكم جئتم إلى بلادنا فعليكم أن تحترموا ديننا وقيمنا وأخلاقنا وقد صدرت أفعالٌ مُشينة من بعض من حضر من المشجعين ، كالمشجعين البريطانيين الذين أتوا يرتدون ملابس الجنود الصليبيين ، وتناسوا أن الحملات الصلبيبة التي كان يقوم بها أجدادهم بعيدة عن الدين وكانت كُلَّ أهدافها اقتصادية وإستعمارية قبل أن تكون دينية كما هو الحال حالياً ، وتناسوا أن التمزق في الأمة العربية وضياع فلسطين سببه أسيادهم ، وحادثة أخرى أيضاً عندما دخلت وزيرة الداخلية الألمانية المدرجات لمشاهدة منتخب بلدها مع اليابان ، ليتفاجأوا بعد ذلك عندما خلعت جاكيتها أنها تضع شارة المثليين ( اللواطيين ) على يدها وهذا فعلٌ يندى له الجبين من مسؤولة يفترض أن تحترم الدولة المستضيفة لها ، والصورة الأخرى للاعبي المنتخب الألماني الذين وضعوا أيديهم على أفواههم إعتراضاً على منعهم من وضع شارات المثليين ( اللواطيين ) وقد أعجبني الرد الرائع للدكتور العُماني حمود النوفلي الأستاذ المشارك بقسم الإجتماع في جامعة السلطان قابوس على ذلك إذ قال : ( قطر لم تطلُب منكم إغلاق أفواهكم وإنما طلبت إغلاق أدباركم حتى تبقوا رجالاً أسوياء تُحافظوا على المُجتمع الألماني من الإنقراض ) .
ومن الرسائل الرائعة التي تبُثُّها قطر لتُثبت هوية هذه الأمة ما أدونه أدناه :
أولاً : كان افتتاح كأس العالم بآية من القرآن الكريم الذي هو كتابنا ونهج ديننا وعقيدتنا
ثانياً : منع الخمور وتخصيص أماكن خاصة بها وبأوقات محددة ولأعمار محددة
ثالثاً : وضع لافتات في كل الشوارع بالأحاديث النبوية الشريفة
رابعاً : منعث الشذوذر الجنسي ، بأن منعت دخول أي شخص يحمل أعلام أو إشارات المثليين ( اللواطيين ) كما منعت طائرة ألمانية بالهبوط لأنها تحمل شعار هؤلاء اللواطيين
خامساً : عرض موجز عن الحضارة الإسلامية ومنها ساعة هاون الرشيد التي أهداها لملكهم شارلمان ، لكي يقولوا لهم نحن أصل الحضارة والتقدم ونحن من علمانكم التقدم وعودوا لتاريخكم لتعرفوا ذلك ، وكيف كنتم تعيشون في العصور الوسطى في عصور الظلام
سادساً : مركز للتعريف بالقضية الفلسطينية من خلال اليوتيوبر الفلسطيني الشهير وسام قطب
سابعاً : إستقبال الداعية الكبير ذاكر نايك الذي أسلم على يديه مئات الألوف وهو ممنوع من دخول العديد من الدول وللأسف منها بعض الدول العربية ، ورسالة لهم تقول لقد منعتموه من دخول بلادكم خوفاً من دخول شعوبكم للإسلام ، فأحضرناه ،وأحضرنا شعوبكم لكي يسمعوا منه رسالة الحق والعدالة رسالة الإسلام السمحة ، ولهم الخيار بعد ذلك .
وهذا كله غيضٌ من فيض مما قدمته قطر لتُبين للعالم أن هذه هويتنا وهذا ديننا وهذه أخلاق كل عربي ، فعليكم أن تلتزموا بها وتحترموا ديننا وأخلاقنا – إحترم – تُحترم
وتبدأ المباريات بين الفرق المتنافسة وليلتقي فريق المُنتخب السعودي-الرجال الخُضر الميامين مع فريق المُنتخب الأرجنتيني وليكون الفتحُ المُبين بفوز السعودية بهدفين مُقابل هدفٍ واحد للأرجنتين ، وبهذا النصر العربي تنطلق الفرحة في كل أقطار الوطن العربي المُتشوقة لأي نصر مهما كان لتعُم الفرحة في كل قطر منطلقة من قطر مُحلقة إلى العراق واليمن والأردن وفلسطين والجزائر وتونس وكل دول هذه الأمة المجيدة ولتقول لهم إننا أمةٌ عربية واحدة ذات رسالة خالدة ، وتتوزع الحلويات في كل مكان ، وكانت تلك رسالة لهؤلاء الذين صنعوا التفُرقة بين أقطار هذه الأُمة ومزَّقوها باتفاقيات سايكس بيكو ، لنقول لهم أنه مهما فعلتم من أفعال لطمس هوية هذه الأُمة لن تستطيعوا ، فالدم العربي واحد واللغة واحدة والدين واحد ، وقيمنا وعاداتنا واحدة ، ولا بُد أن يأتي اليوم الذي تخرج فيه هذه الأُمة من حالة الضعف والوهن لكي تتوحد جميع دول أُمتنا العربية ، وقد تفاجأ الذين راهنوا على فشل قطر في تنظيم هذا المونديال ، وللأسف كانت بعض الأبواق العربية الناعقة من بعض الإعلاميين المنافقين وهم أعداء النجاح , وكانوا يقولون كيف ستنظم ذلك على صِغر حجمه وأين تستقبل الملايين ، فنسوا عمقها العربي من الدول العربية التي فتحت فنادقها لمن يأتي لحضور هذا المونديال وبعدها ينتقلوا إلى قطر ، فكانت الأردن والبحرين والكويت من رحبت بذلك ، ونقول لهؤلاء أعيرونا صمتكم وموتوا بغيظكم ، ونقول لكل هؤلاء عودوا للتاريخ لتجدوا أن هذه الأمة لا تموت قد تضعف لفترة ولكنها لا بد أن تعود وتنهض لتجدد ماضيها التليد وفي التاريخ شواهد على ذلك ولكل فارس كبوة ، فإن أمتنا لو توحدت وتضافرت جهودها وتحققت الوحدة بالخروج من زنزانة سايكس بيكو التي سجنونا بها ، لأصبحنا أعظم من أمريكا دولة الشر والإرهاب .
ومن الصور الجميلة التي تابعناها أيضاً كيف كانت القنوات الإخبارية لما يُسمى إسرائيل تحاول أن تُجري ولو لقاء واحد مع أي فردٍ من أفراد الجماهير العربية على اختلاف دولهم؟!! فكانوا يتواجهوا بالرفض وبالعزوف عنهم في حال معرفتهم أنهم من دولة الكيان المسخ ، وقد اشتكى أحد مراسليهم لقناته من صعوبة وجودهم هناك وأورد حادثتين حصلت معه حيثُ أنه ركِب مع أحد سائقي الأُجرة فلما عرف أنه إسرائيلي أنزله من السيارة وأعاد له أجره ، وتكرر ذلك في أحد المطاعم عندما عرف صاحب المطعم أنهم إسرائيليين فطردهم من المطعم ، وهذه الصور بحد ذاتها تُعطي رسالة للمطبعين من الحُكام العرب أن التطبيع يخصكم ولا يخصُّ شعوبكم ، ففلسطين ستبقى حاضرة في قلب عربي وشريف وتقول للغرب وللعالم الأجمع إن قضية فلسطين لا تخص الفلسطينيين وحدهم بل هي قضية كل عربيٍّ وكل مسلمً حرٍ شريف ، ولن يتنازل أحد صغيراً أو كبيراً عن فلسطين أرض الديانات ومسرى الرسول الكريم .
وأخيراً أقول شكراً قطر ، وشكراً لأميرها الشاب الهُمام الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي وحد العرب في كرة بعد أن تفرقت بالحدود فقطر مفخرة العرب ، وتستحضرني أبيات الشاعر فخري البارودي الذي قال :
بلاد العُرب أوطاني من الشامِ لبغدان
ومن نجدٍ إلى يمنٍ إلى مصرَ فتطوانِ
فلا حدٌ يُباعدنا ولا دينٌ يُفرقنا
لسانُ الضادِ يجمعُنا بغسانٍ وعدنانِ
لنا مدنيةٌ سلفت سنُحييها وإن دثرت
ولو في وجهنا وقفت دُهاة الإنس والجانِ
فهبوا يا بني قومي إلى العلياء بالعلم
وغنْوا يا بني أُمي بلاد العُرب أوطاني
صخر محمد حسين العزة
عمان – الأردن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.