قصة قصيرة: القتال في معركة منتهية...بقلم أ. أيمن فوزي

 قصة قصيرة: القتال في معركة منتهية


بين التلال والرمال والدشم القبيحة التي لونتها الدماء والحروق وقرحتها رغم شدتها الشمس، بعض الجنود اليائسين يستمرون في التمركز في خندق خلف الخطوط الأمامية للقتال، أصابهم الإعياء والتعب والوهن من قلة المأونة وطول القتال، فها هو الشهر الثاني لهذا التمركز في الخطوط الدفاعية للقوات يمضي عليهم و قد إنقطعت عنهم الإمدادات فيعيشون على ما تبقى من المخزون من مؤن وذخيرة.

حتى جهاز اللاسلكي الذي كان يعتمدون عليه في الاتصال بالقيادة أصابته شظية من قنبلة قبل عدة أيام، ولكنهم و منذ ذلك الوقت لم يسمعوا طلقة نار واحدةً أطلقت في اي اتجاه من خطوط الهجوم للعدو المتاخم غير بعيد الذين إعتادوا المناوشة بإطلاق نيران حتى ولو بغير هدف لإعلان وجودهم وأن المعارك مازالت مستمرة.

مع كل هذا الإرهاق و القتل والموت الذي يشهدونه، هاهم يصلون كل يوم لتطول مدة هذا الصمت الناري ولكن هذا ليس من الطبيعي أن يطول التوقف عن إطلاق النار فقط، بل أنهم لا يلحظون اي حركة على الطرف الأخر من الخطوط الأمامية من تمركز العدو فالخنادق والبنادق كتوم إلى حد السكون.

يستلقون على جنبات الخندق يقبضون على أسلحتهم كتمسكهم بالحياة، فكل رصاصة بالنسبة لكل واحد منهم هي فرصة لحياة اطول وطوق نجاة من موت محقق،  وسط كل هذا الموت المستمر و سقوط الجنود كالذباب بطلقات احد الجانبين، كثير من المصابين ينتشرون في كل مكان، ينتظرون التعافي لاستكمال المعارك أو الإخلاء و الرجوع بجروحهم إلى الوطن الثاكل، جراح قتلت البعض وأعطت البعض الآخر فرصة للحياة حتى و لو فقد عيناً أو رجلاً أو زراعاً، عودة الإنكسار حاملين معهم ذكريات الدم والرمال.

يتبادلون الأحاديث عن ما خلفوه في الوطن من زوجات واطفال واصدقاء وآباء وامهات، يستعرضون بعض الذكريات والصور في حافظات نقودهم الفارغة المتهالكة إلا من خطابات أو صورة عائلية و هم ما بين إبتسامة ودمعة من ذكريات الماضي القريب حيث كانوا يهنأون بالحياة وسط ذويهم، كل في حياته الخاصة بلا رصاصات أو دانات المدافع، يتمتعون بالخبز والسرير والأحضان الدافئة.

حديث لا ينقطع بغير لحظات الصمت عندما تنطق البنادق عن أمل في إنتهاء الحرب أو الفوز في معركة تعطيهم الأمل في عمر أطول لمواجهة أخرى، وقد إنطلق عنصران من العناصر الإستخبراتية لإستطلاع الأمر قبل يومين ، فمن الغريب أن تهدأ كل البنادق وتسكن كل الحركات على خطوط العدو لثلاثة أيام وقد إنقطعت عنهم الماونة وبدأت تنفذ كل مخزوناتهم من الطعام و العتاد.

اليأس ينهش تفكيرهم ويستولي التعب و روح الاستسلام علي كل هذه البنادق في الخندق المعتم وقد علت هذا الموقع سحابات من الدخان الأسود جراء القصف والإحتراق فلا تكاد الشمس تطل عليهم من ثنية هذه السحابات إلا حين الشروق و الغروب في الأفق البعيد وكأنها تلقي عليهم بعض تعويذات الأمل صباحاً وترمي عليهم بظلال الغروب آخر النهار.

يظهر شبحان من خلال الغيوم والدخان فيتاهب بعض الجنود لمواجهة أي تهديد محتمل  إلا أنهم يستطيعون تميزهم من اللباس واللغة و هم يلتقطون أنفاسهم بالكاد، حتى يستطيعون أخبارهم في صوت يجمع بين الإنهاك والفرحة " لقد إنتهت الحرب منذ ثلاثة أيام وانسحبت كل خطوط العدو"


أيمن فوزي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.