هذه هي المرأة //بقلم الكاتب والشاعر د. محمد توفيق ممدوح الرفاعي

 هذه هي المرأة

من الألف إلى الياء

الكاتب والشاعر د. محمد توفيق ممدوح الرفاعي

في هذا البحث حاولت أن اسلط الضوء على قضية جدلية قديمة حديثة تتعلق بالمرأة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام تشمل كافة المناحي الحياتية الإنسانية والإجتماعية عبر التاريخ بادئا من قصة الخلق إلى يومنا هذا استعرضت فيه اغلب ماتعرضت له المرأة من سلبيات وإيجابيات متوخيا  كشف اللبس وإزالة الغموض عن بعض ما تم ستره بحق المرأة وتوجيه النصح لتصحيح الأخطاء والعودة إلى جادة الصواب من اجل بناء أسرة سليمة متمنيا أن أكون قد وفقت فيه وأعطيته  ولو جزء بسيطا مما اطمح اليه وهو يتضمن عدة مقالات ولكل موضوع معين ولكنها جميعها مرتبطة ارتباطا وثيقا فيما بينها .

المقال الأول

 النشوء بين الميثولوجيا والحقيقة

الكاتب والشاعر محمد توفيق ممدوح الرفاعي


لماذا المرأة دائما ، أجل لماذا هي محور أبحاث الفلاسفة واهتماماتهم وشغلهم الشاغل ،  لماذا هي اللغز المحير ، ولماذا هي الحاضرة الغائبة  في المجالس العامة والمحافل الخاصة وجلسات السمر والتنادر ، لماذا هي دائما  تستحوذ على فكر الرجل مرسومة في مخيلته ، هل لأنها ذلك المخلوق الرقيق الجميل الذي يجد فيه الرجل الحضن الدافئ التي الهمت الشعراء والأدباء والفنانين ، فلا تكاد تخلو قصة أو مجلة أو شاشة سينمائية أو تلفزيونية إلا وتتصدرها صورة للمرأة ، حتى الأديان السماوية والوضعية والقوانين التشريعية المدنية استحوذت على حيز كبير من اهتمامها فذكرتها في أمور حياتية واجتماعية وحتى اقتصادية وسياسية شتى وأكدت على دورها في المجتمع واهميته ، فلماذا كل هذا الاهتمام بها وما السر في ذلك ، أولا لنعترف أن من حق المرأة أن تكون جميلة فقد خلقت لتكون جميلة ذات أنوثة طاغية  تستطيع أن تستحوذ على فكر الرجل وعقله وقلبه ، فالرجل يعشق الأنوثة المتمثلة برقة المرأة ونعومتها وحسها المرهف والتي

تملأ عليه حياته فالمرأة بلا جمال كالأرض القاحلة والجمال بلا أنوثة وردة بلا رائحة والأنوثة بلا أناقة حديقة مهملة فالمرأة الجميلة الملامح طيبة الأخلاق والأدب المثقفة المدركة لواقعها ذات الأنوثة المكتملة والأناقة الراقية حديقة ورد تضج جمالا تفوح بالعطر ، وبعد كل هذا الوصف هنا يطرح السؤال نفسه هل خلقت المرأة كما يعتقد بعض الجهلة فقط لمتعة الرجل وتلبية شهوته الحيوانية وخدمته وانجاب الأولاد فقط مهدورة الكرامة عديمة الكيان ، طبعا لا لأن الله خلقها كائنا كاملا متكاملا لها كيانها وشخصيتها واستقلالها ندا للرجل ولا تكتمل دورة الحياة إلا بهما معا ، ولذلك ومن الواجب علينا تسليط الضوء على قصة خلق المرأة ونستوضح الحقيقة لنعيد لها كامل حقها وكرامتها ، بداية نستنطق التاريخ القديم بالعودة إلى العصور الأولى لوجود الإنسان على سطح الأرض وتحديدا نستنطق المخطوطات التي دونها اجدادنا وتحدثوا فيها عن المرأة فهذه الميثولوجيا وفي احدى مدوناتها تقول لنا إن الله خلق كائنا عاقلا اسماه ادم وأطلقه وحيدا في الجنة ولم يكن معه مخلوقا أخر ومن المرجح أنه كان ذكرا بدلالة اسمه ادم الذي سماه به واشتهر به بكل لغات العالم قديمها وحديثها ولذلك فمن غير المعقول أن يخلق آدم ذكرا من غير أن يخلق له أنثى لأن الغاية المرجوة من خلقه أن يسكن الأرض ويعمرها وهذا يتطلب وجود أعداد كثيرة من المخلوقات العاقلة ومن المؤكد أنه لن يستطيع الإنجاب إلا بوجود أنثى تحمل منه وتلد وسيكون ذلك بعد أن تتم تهيئة الأسباب التي تستوجب طرده من الجنة وإسكانه الأرض وهذه الأسباب قد قدرت ووضع إطارها مسبقا علما أننا لا نعلم ما العبرة والغاية من خلقه اولا لوحده دون أنثاه ، ومن ثم تم خلق له حواء بعد مدة لتكون شريكا له وايضا نحن لانعلم هل كان آدم يعلم نوع جنسه أم لا ، وهذا ماسوف نعرفه لاحقا فبعد أن اطلق الله آدم في الجنة سرعان ما ضاق ذرعا بوحدته فلا أنيس له ولا جليس يسامره و يشاركه حياته ، فنادى ربه قائلا ( ربي خلقتني وحيدا وقد سئمت وحدتي فأخلق لي شيئا يكون لي مرآة أرى فيها نفسي ومجدي ووسادة اتكئ عليها وقناعا أختبئ خلفه في تعاستي ووحدتي ولعبة افرح بها وتمثالا املأ به عيني بجماله وفكرة تستفزني ومنارة اهتدي بها ) فهذا يعطي شبه استقراء ان آدم شعر بذكوريته وانه بحاجة الى أنثى تكون له ، فاستجاب له ربه وخلق حواء الأنثى ومن المعلوم أن الله عندما خلق آدم لم يخلقه ليبقيه وحيدا لأن الغاية هي اعمار الارض بالتناسل وهنا تتبين الغاية من خلقه اولا وتركه وحيدا ليجعله يشعر بذكوريته وأنه بحاجة الى من يفضي اليه ، سميت هذه المرأة حواء وأيضا نحن لا نعلم من اطلق عليها هذا الاسم ومن أين جاء ،   تميزت حواء بصفات جمالية وسيكولوجية تختلف عنه فكانت له السكن ، وهذا يتضح بتميزها بالعاطفة والرقة والحب والاحتواء الذى غمرت به آدم وقد هيئت لأخذ دور الأمومة وتربية الأبناء وما أن رآها ادم تحركت لديه مشاعر غريزته الذكورية وأثارتها بدلالة ميله إليها والتصاقه بها وللتو تمت بينهما عملية التزاوج والتناسل وبهذا تكون قد تمت الغاية الأولى للخلق قبل الهبوط إلى الأرض ، فأصبحت حواء مرآة نفسه وفرحتها والجمال الذي يتمتع به وباتت توأمه تشاركه حياته .

 وأيضا نجد في أسطورة أخرى إن الله بعد أن خلق آدم أراد أن يكرمه فقرر أن يخلق له أنيسا لوحدته وجليسا يسامره ليضفي السعادة على حياته ويغرم ويلتصق به فخلق له المرأة ليكون له منها نسلا يعمر الأرض وهذا تعبير واضح على ذكورية آدم ، فخلقها وجبلها من جملة من المتناقضات ما بين الحلاوة والجمال والرقة والعذوبة وما بين المرارة والقسوة والغرور والخبث لغاية أرادها الله ، وهنا نسرح بخيالنا ونحن نقرأ الصفات التي جبلها عليه ونقارنها مع الواقع فلها من الصفات الجميلة قوام اللبان  وحلاوة العسل والوداعة كالارنب الوديع رقيقة كالنسيم عذبة اللسان كالطيور وزغردة الطيور ووديعة كالأرانب وفي نفس الوقت صلبة كالالماس وثرثارة كالببغاء اخذت الخبث عن الثعبان ومرارة العلقم تكوي كحرارة النيران ، فكانت هي العشير الذي شغل آدم واستكان لها وأصبح طوع أمرها فتسلطت عليه بطغيانها ولم يعد يستطيع الاستغناء عنها رغم تناقضاتها فارتكب بسببها الآثام والخطايا وخالف تعاليم الرب مما تسبب في سخط الرب عليهما فعاقبهما بطردهما من الجنة وهبوطهما إلى الأرض ، وعلى اعتبار أن حواء هي سبب غضب الرب على آدم ضاعف لها العذاب فأذلها بأن جعل دون آدم فسلطه عليها وجعل زمام امرها بيده تابعة له تأتمر بأمره تنفذ أوامره بإذعان ولا ترفض له طلبا ، وزاد عليها أيضا بأن اثقل عليها آلام الحمل والولادة هي وبناتها وحفيداتها من بعدها . 

أما في أساطير أخرى كان الأمر متناقضا كليا فهناك أمم جعلت من حواء ونسلها من النساء آلهة تعبد وتنجب آلهة أو ملائكة منزهة كما في أساطير الإغريق والرومان وبلاد الشام والرافدين فصوروهن بصور الآلهة والملائكة وجعلوا منهن آلهة للجمال والحب والعدل وصنعوا لهن تماثيل ورسومات تمجدها حتى وصل الامر أن صنعوا لها تماثيل ورسوم وهي تحمل ميزان الحق والعدل . 

أما وعلى أرض الواقع نجد الكثير من الحضارات والممالك القديمة  قد قدست المرأة  كما في شمال حوض البحر المتوسط  وجزيرة العرب وبلاد الشام وبلاد الرافدين ومصر الفرعونية فكانت ذلك الكائن المحترم المصونة الكرامة والمستقلة في أمورها تتمتع بكامل حقوقها الاجتماعية والقانونية والسياسية فسادت وحكمت فكان منهن الملكات و الآلهة فحكمت ممالك كبيرة مترامية الأطراف في عدة أزمنة فقادت الجيوش والحروب وانتصرت ولازالت كتب التاريخ تذكرها وتمجدها. 

 أما بالنسبة لوضع المرأة في الشرائع السماوية المنزلة فمن الجدير ذكره أن جميع هذه الشرائع لم تتطرق إلى الكيفية التي خلق الله فيها حواء وكيف جبلت كما تحدثت عن خلق آدم وكيفية خلقه فكل هذه الشرائع وضحت أن الله صنع ادم بيديه من الصلصال والطين أما حواء فلم يرد فيها نص مطلقا سوى ما نقل وما ورد من أقوال مختلفة على السنة الرواة والمفسرين ممن تطرقوا بالشرح والتفسير لهذه الشرائع ولا ندري كم من الزمن بقي أدم وحيد في الجنة قبل خلق حواء وأيضا لم يذكر اسم حواء صريحا كما ورد اسم آدم صريحا ولم يخاطبها  الله باسم خصها به كما خاطب آدم باسمه الذكوري الصريح الذي أطلقه عليه ولذلك لا نعلم من اطلق هذا الاسم عليها بشكل مؤكد ، وهنا يتبين لنا أن صفة الذكورة والأنوثة واضحة تماما لكل من ادم وحواء وان كان الله قد خلق ادم قبل أن  يخلق حواء وعلى وجه الاعتقاد انه كان لتأكيد صفة القوامة للرجل على المرأة واستدل على ذلك بآية من القرآن الكريم حيث ورد في سورة البقرة قول الله تعالى (  وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) وهذا توضيح صريح على الرابطة  الزوجية بينهما حيث إن كلمة زوج تعني باللغة العربية البعل أو القرين أما بالنسبة لطريقة وكيفية التزاوج والتناسل ، وهل هناك ادم واحد أو اكثر وحواء واحدة أو اكثر كما يدعي البعض عن وجود اكثر من أدم واكثر من حواء فلا دليل بنص مطلقا في أي من الكتب السماوية أي أن ادم واحد فقط وحواء واحدة لا غير ، رغم أننا نجد الكثير من الأقوال والآراء  مما ورد في الأثر عن البعض من اتباع الديانات والأساطير في التاريخ حيث جنح البعض إلى تفسيرات أخرى فتحدثوا عن وجود اكثر من مخلوق اسمه ادم وأيضا اكثر من مخلوقة اسمها حواء ليوضحوا أن التزاوج كان بين ذكرين على الأقل اسمهما ادم وامرأتين اسمهما حواء وذلك لإعطاء صفة الشرعية التزاوج بين  أولادهم منكرين ومحرمين تزاوج الاخوة من نسل ادم وحواء الوحيدين على الأرض ، ولن اطيل البحث في ذلك لانه لا يفيدنا في شيء ، والاهم هو أن هذه الشرائع أعطت المرأة حقوقها الاجتماعية والقانونية والشرعية بما يتناسب ووضعها السيكولوجي والجسدي فأقرت استقلاليتها الاقتصادية والمالية وحريتها في الزواج والطلاق كاملة وحفظتها لها واعتبرتها كائنا كاملا مستقلا بذاته كالرجل تماما وفرضت عليها واجبات تؤديها ، إلا أنها جعلت القوامة للرجل وذلك لأسباب بينتها تلك الشرائع منها سيكولوجية وجسدية ، فهذا يعني أنها جعلت لها مقاما محترما وكرست لها وضعا يليق بها وأنكرت جميع ما لحق بها من وزر وبرأتها من تهمة تسببها في هبوطها وآدم من الجنة بل وأزالت اللبس والظلم مما أصابها من هذا الافتراء ، ووضحت هذه الشرائع بإعلام إلهي أن ادم  هو المتسبب بهبوطهما من الجنة وهو من ألصق التهمة بها ليخضعها له ويجعلها طوع أمره زيادة في فرض السيطرة عليها وإذلالها ، فهو من سولت له نفسه الأكل من الشجرة المحرمة وأرغمها على الأكل منها ليضمن لنفسه الخلود ومعرفة الخير والشر ، وكي لا يكون هو الوحيد الذي عصى أمر الله ولتتحمل معه مسؤولة هذا العصيان ، ولذلك وجب علينا عدم تجاهها وأن نحافظ عليها لتبقى قوية نضرة تبني لنا الأجيال وأن تكون تلك الوردة النقية الشذية في حديقتنا وبذلك نكون قد أقرينا بما أقرته كل الشرائع أو بالأحرى فرضته ونفذنا كل التعاليم الواجبة علينا في صيانة حقها وان نكون قدوة لها لتسير على النهج القويم وكما قيل اعطني امرأة صالحة أعطيك جيلا صالحا والمرأة الصالحة هي الخلوق ذات المنبت الطيب والأصل النبيل والأدب القويم المثقفة الراقية المدركة لواقعها هي التي تعطي الأجيال الصالحة التي تبني الأوطان والحضارات . 

@الكاتب والشاعر د. محمد توفيق ممدوح الرفاعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.