عَذَابِي..الشاعر معروف صلاح أحمد
( عَذَابِي )
هذا عَذَابِي حِرزٌ وحَيزٌ ..
أنتَ صنعتَه من بَرَدِ لُعابي ..
أنتَ خزنتَه حِبرًا من أدمعِي ..
أنتَ خذلتَه حينَ قابلتَنِي
قاتلتَنِي وجَدٌّ رَمَيتَنِي
بِمِقلَاعِ سَهمٍ فتَّاكٍ بِحَجمِ الخَردَلِ
بلحظٍ شكَّاكٍ بسمتِ الأنورِ
من بريقِ عينيكَ دفعتَنِي للعُزَّلِ
بشررٍ كالقصرِ أحرقتَني كَالقرنفُلِ
من وهجِ السُّكرِ في لُعَابِكَ صعقتَنِي
بزهر وردِ التفاحِ شممتَنِي
فتفتحت نسَائمُ عِزك كُلُّها فأسكرتَنِي
وانطفأت نارُ آهاتِ محبتِي
فصَفعتَهَا وصفحتَهَا زُلَالًا وفُرَاتًا
وصغتَها رَمضَاءَ جدبَاءَ طَاوية
ووصفتَها بنعتِ قَيظٍ دَاءٍ يُشلُّنِي
وتعالَت صرَخاتُ الودِّ منكَ ألومُها
حِينَ زقزقت أصواتُ شدوِكَ جُلُّها
حِينَ شقشقت مِياهُ جَريَانِ جُنونِكَ
بريقِ رضَابٍ على أناملِي الفيحَاء
ولم تكتبْ ببهَاءٍ قصيدتِي الغنَّاء.
وما زالت بِلا سَفينٍ خاوية ..
فيَا شقيقَ الروحِ شَقَقتَنِي
فلملمْ كنوزَ جِراحِي التي تملَّكتَها
وسَكبتَها في رَمَادٍ شَاشٍ مُهلهَلِ
وابحثْ بالسُّهَادِ عن الفؤادِ المُتيَّمِ
أينَ علَى الرفِّ وضعتَه ؟؟
وبأي شُفيرَةِ سِكينٍ ذبحتَه ؟؟
أم برقةِ حجرٍ ألمَاسٍ قذفتنِي ؟؟
أم بِلمسَةِ يَاقُوتَةِ خِنجَرٍ مَسنُونٍ
حكَكتَه مَليًّا وطعنتَنِي؟؟
أتدري كم أحزنتَه !!
كم مرَّةٍ قتلتَه !!
كم أفقدتَه طُهرًا وعفافًا
قبلَ مَوتهِ وسَيلِ دمِهِ !!
أتذكُرُ بينَ خافقيكَ
كَانَ ينبضُ رُفاتُهُ
مِطيَاعًا كَمَطيَّتِكَ ؟؟
كُنتَ تَقولُ دَومًا كُلَّ مرَّةٍ :
هَاتِ واشرَبْ واسقِهِ
تحتَ ظلالِهِ كم بنيتَ جنتَك !!
تحتَ أطلالِهِ كم بنيتَ دولتَكَ !!
كم دَوَاةٍ وفُرشَاةٍ رسمتَ بِهَا
لَوحَاتِ أشجارَهِ وأحجَارَهِ
وخنَاجِرَهِ نقشًا أخضرَا
على صدرٍ قد أظلمَت حَناجِرّه !!
كم برعمًا من أكمامِ غرامِكَ الأوحدِ
قد وارَيتَه ورِويتَه قَصَصًا
فصَّصْتهَا كالثمرَاتِ لِلبُلبُلِ المُنَعَّمِ
مِن لَدُنِ قرآنِ ظمأِ الحُلمِ الأعظَمِ ؟
مِسكُ جِراحِكَ ودَمُ غَزالِكَ الأمجَدِ
غَيثُ مُزنٍ ثَجَّاج هَائمٍ
من مُعصِرَاتِ كَوكبٍ .. أنتَ بَقرتَه
شججتَ.. رويدًا .. رُويدّا .. زرعَه
وسكنتَه بِحُمَّى حِمَى قَبرِ أضلُعِي
فباتَ الرحيلُ لأرضهِ يَبابًا جَاثِمًا
وكعبةً هامدةً لا زوَّارَ لهَا ..
ولا حُجَّاجَ بِدُعَاءِ عُمرٍ يَطـُول
ولا عُمَّارَ تَغزُو قلبَ مَدَامعِي..
.................................
معروف صلاح أحمد
شاعر الفردوس ، القاهرة ، مصر.
تعليقات
إرسال تعليق