قصة قصيرة \ عن قصة حقيقية لأبني أحمد
- ( أول خطوة في بلاد الغربة )
في ركن من أركان شرفته المطلة على مقهى في حي قديم يأوي المهجرين امثاله في بلد المنفى , وفي عصر ذلك اليوم , كان أحمد يجلس كعادته يستنشق دخان الارجيلة ويتحاور معها ويخاطبها كأنها فتاة , يرتشف شايه المهيّل , يراقب ثرثرة رواد المقهى , ويستمع الى عبارات لغته التي يفتقدها في الشارع , ويستمع بشغف الى دحرجة النرد وهدير الشاي المغلي كأنها سنفونية ينتشي بها ويقلب ذكرياته معها ليعيش تلك الأجواء الجميلة مع دفء العائلة الذي يفتقده بشدة هنا .
مرت من أمام شرفته امرأة , وكانت تحمل أغراضا واشياء أقل ما يقال عنها أنها كانت ثقيلة , فأراد في نفسه أن يساعدها , ورغب في ذلك كثيرا فهذا ما تعود عليه في دياره , لكنه تذكر نصيحة أبيه حين قال له ( لا تتدخل فيما لا يعنيك فستلقى ما لا يرضيك ) , خصوصا وهو شخص غريب في بلاد غريبة , لأن الاوضاع والطباع هنا تختلف , وربما يفسر عمله ذاك بطريقه تجلب معها لنفسه المشاكل , وهو في بلاد الغربة بلا سند .
توارت تلك السيدة عن أنظاره , لكنها لم تتوارى عن تفكيره ,
المهم أن الأمر تكرر مرة أخرى , في وقت أخر , وهنا انتصرت المبادئ عنده على الخوف , وصار بلمح العين ذلك الفارس النبيل الذي هب لمساعدة محتاج لا يعرفه , فعرض على السيدة المساعدة التي أسعدتها ولم ترفضها , لأن الحمل كان نوعا ما ثقيلا مره أخرى , لكن الأمر لم ينتهي بعد , فلقد طلبت السيدة من أحمد أن ينتظر قليلا ريثما تفعل شيئا , وما هي الا دقائق معدودة حتى خرج من البيت بصحبة تلك السيدة , رجلا وقورا تبدو عليه ملامح الثقة والعزة بالنفس , وبعد أن شكر أحمد على صنيعه , سأله إن كان يملك عملا ما , فأخبره أنه مهاجر من العراق , تعرض بلده الى الكثير من الحروب والماسي , ومنها الحرب الطائفية التي سببت هجرته هذه , وأنه الان يعتمد على راتب الاعالة الذي يقدم لأمثاله من المهجرين , ريثما يحصل على الوثائق المطلوبة للتعيين ومن ثم العمل , فاخبره ذلك الرجل بأنه مدير في أحد مصانع شركة المارسيدس لصناعة السيارات , وأنه يستطيع أن يوفر له عملا في ذلك المصنع , فتهلل وجه أحمد وسر لسماع ذلك العرض الذي قدمه ذلك الرجل , وفعلا كان ذلك التصرف البسيط مدخلا جيدا لأحمد ليعمل وينصهر بالمجتمع ليصل الى مرتبه مشرف على العمال وبمرتب لم يكن ليتوقعه أو حتى يحلم به .
صنائع المعروف تقي مصارع السوء
هيثم الزهاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.