بقلم نورة طلحة تجاعيد الزمن وندوبه
بقلمي نورة طلحة
تجاعيد الزمن وندوبه
داخل دوامة الحياة تاهت صديقتنا عن نفسها فاشتاقت لعناقها بعيدا عن صخب الحواضر... فاستقلت القطار البطيء إلى جوف البلاد بسهل سايس حيث هدوء الغابات ورطوبة الوديان...
جلست قرب نافذة كالعادة وما لبثت أن تضع سماعاتها لتُبْحِرَ في عالم موسيقاها المفضلة حتى اقتحمت خلوتها سيدة مسنة تطلب منها مساعدتها للاعتدال على الكرسي المقابل، تحمل ظرفا كبيرا يبدو أنه خاص بفحوصات وأشعة وكيسا من الأدوية وحقيبة يد صغيرة تبرز منها قارورة ماء...ما لبثت أن جلست حتى شرعت تحكي لصديقتنا عن أمراضها المزمنة الناتجة عن ركام التوثر والخذلان وعن هموم أثقلت صدرها من استغلال ابنها الوحيد لممتلكاتها ومعاشها وتركها لأنياب الحاجة والعوز تمزقها وعن ابتزاز زوجته لها... وما كان من صديقتنا إلا أن منحتها سمعها وتركيزها ونصحتها قائلة: من يهون عليه حزنك فهو لا يستحقك، احرميهم منك حتى يعرفوا قدرك...وعدتها أن تعمل بقولها وبادلتها بنصائح عظيمة من عصارة سنوات من الكفاح والطيبوبة المفرطة حد الهوان وآخر نصائحها ألا تُصَدِّق وعد فرحان ولا قرار حزين...
انبعث صوت مسؤول عبر مكبر الصوت "محطة فاس"...
استأذنت صديقتنا باحترام الأم المكلومة التي منحت كل ما لديها لابنها الوحيد وعائلته وما زالت مستعدة أن تمنحهم ما تبقى منها... ودَّعت السيدة المسنة صديقتنا بابتسامة تقدير وامتنان...
ما أروع أن تُخفي وجعك وتبتسم رغم كآبة الواقع...
نورة طلحة
المغرب
تعليقات
إرسال تعليق