الرحلة: الصراع الأبدي بين الخير والشر...ا. عبد العالي لعجايلية

 الرحلة: الصراع الأبدي بين الخير والشر


الرحلة، يا لها من مسيرةٍ شاقة تلتهم أعمارنا وتغرقنا في بحر من التساؤلات الوجودية. ما معنى أن نكون في هذه الحياة، ونحن نخطو عبرها كأبطال أسطوريين تقذفهم الأمواج نحو مصيرٍ مجهول؟ الرحلة ليست مجرد تنقلاتٍ عبر المكان، بل هي معركة يومية بين الظلمات والنور، بين الخوف والرجاء، بين الجسد الذي يسحبنا إلى الأسفل والروح التي ترفرف متطلعةً إلى السماء. إننا نعيش في صراعٍ دائم، تكشف فيه الوجوه عن بشاعتها وأحلامها الهشة، وتتآكل فيه الأماني كما يذبل الورد في حضرة الرياح العاتية.


وفي هذا المشهد المأساوي، يلتقي الخير بالشر في معركةٍ لا تُرى بالعين، معركة تتناثر فيها الآلام كحبات الرمال، ويعصف بها الزمن بلا رحمة. كما لو أن الشر يحاصرنا في كل زاوية، يهدد وجودنا ويشوه جوهرنا، بينما ينادي الخير في أعماقنا كصوتٍ خافت، نسمعه لكن لا نعرف كيف نصل إليه. ولكن هل يمكننا أن نعرف الحقيقة وسط هذه الفوضى؟ أم أن الحق والباطل هما مجرد ظلين من ظلالنا الشخصية التي تلاحقنا إلى آخر الرحلة؟


تبدأ المسيرة، ونحن غارقون في تيهٍ لا نهائي، ونتساءل: هل هذه التجارب التي نمر بها هي مجرد مفاجآت الحياة، أم هي أقدار لا مفر منها؟ كل ألم نعيشه يترك بصمته، كل دمعة تسقط على وجه الزمن تُجسد لنا المأساة التي لا مفر منها. فالتضحية ليست مجرد فعل، بل هي صرخة في عمق الوجود، صرخة تنبع من الأذى الذي لا نعرف كيف نواجهه. هل نحن مجبرون على الاستمرار؟ أم أننا نسعى لأملٍ وهمي؟ في كل ضربةٍ من ضربة الزمن، نجد أن الحلم أصبح عبئًا، والواقع أصبح مريرًا.


العزلة، تلك الرفيقة الخفية التي تأتي كالسيف البارد، تطرق أبوابنا في أكثر اللحظات ضعفًا. كم من مرةٍ خيمت علينا الظلمة، وسحبتنا إلى أعماقٍ لا نعرفها؟ العزلة ليست مجرد غياب الآخرين، بل هي لحظة انفصال تام بين الجسد والروح، حيث يتناثر الكون حولنا كحطام سفينة غارقة. في العزلة، نكتشف أننا كنا نركض وراء سرابٍ، نبحث عن معنىً أعمق في كل شيء، لكننا لا نجد سوى الدمار. كيف يمكننا أن نرى الضوء في هذا الظلام؟ هل الضوء في الخارج، أم أن الضوء ينبعث من داخلنا، من أعماق الروح؟ وهل نحتاج إلى عينيْن لتراه أم أن الأعمق هو أن نرى ما لا تراه العين؟


لكن التغيير، الذي يبدو دائمًا كعاصفةٍ مفاجئة، يغير كل شيء. كأننا نطفو على أمواج البحر العاتية، والرياح تلتهمنا بلا رحمة، لتتركنا أمام مفترق طرقٍ حيث لا مفر. التغيير، في عواقبه المدمرة، هو الذي يعيد تشكيلنا، وكأننا تماثيل صماء يرقص الزمن حولها ليكسرها، لكننا نكتشف في النهاية أن هذا التكسير هو الذي يمنحنا القدرة على النهوض من جديد. لكن ماذا عن اللحظة التي نواجه فيها أنفسنا بعد التغيير؟ هل نحن أقوى أم أضعف؟


الصراع بين الجسد والروح هو صراعٌ أزلي. الجسد يجرنا نحو الأرض، حيث الشهوات والمعاصي، بينما الروح تُنادي فينا لتأخذنا نحو السماوات، حيث الطهارة والكمال. هو صراع لا يتوقف، ونحن ندور في دوامة لا تنتهي، نُسحب إلى هذا وذاك. هل سنتغلب على الجسد في النهاية؟ أم أن الروح هي التي ستنهزم في هذا الصراع الأزلي؟ هل القوة الحقيقية تكمن في إيقاف الزمن، أم في قدرتنا على العيش في الوقت رغم كل ما يمر بنا؟


وفي خضم كل هذا، هل هناك نهاية للرحلة؟ هل سنصل في يوم ما إلى الخلاص الذي ننشده؟ أم أن الرحلة نفسها هي الخلاص، وأن النهاية هي مجرد مرحلة أخرى من العذاب؟ ربما النهاية ليست إلا بداية جديدة، بداية حيث نواجه حقيقة أن الصراع لا يتوقف، وأننا لا نملك من أنفسنا سوى لحظة ضعف نسمح فيها للطريق أن يقودنا حيث يشاء. كالمحارب الذي ينقض عليه الموت في المعركة، ليُهزم في جسده، لكنه يُخلّد في الذاكرة. أليس في النهاية، أن نجد السلام داخل أنفسنا هو أعظم انتصار؟


الرحلة، إذن، ليست فقط صراعًا خارجيًا بين الخير والشر، بل هي معركة داخلية أشد قسوة، معركة مع الذات، مع الزمن، مع المعاني التي تبحث عنها الروح في هذا العالم المليء بالفراغات. الرحلة ليست عن الوصول إلى مكانٍ ما، بل هي عن أن نعيش في قلب المعركة، وأن نواجه كل ما يقف أمامنا بشجاعةٍ ومرارة، لنكتشف في النهاية أن المعنى يكمن في استمراريتنا، في قدرتنا على النهوض رغم كل ما يحدث لنا. وإذا ما غلبنا على الذات، ربما نجد أن الرحلة كانت في الأساس ليست سعيًا للخلاص، بل سعيًا لفهم ماهية هذا الخلاص.


بقلم : عبد العالي لعجايلية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مناجاة روح...زهور الخطيب

علامة إستفهام؟فتحي موافي الجويلي

تحايا...توفيق السلمان