"تأمُّلاتِي: عَامٌ يَمْضِي وَأُفُقٌ جَدِيدٌ"...أ. عبد العالي لعجايلية

 "تأمُّلاتِي: عَامٌ يَمْضِي وَأُفُقٌ جَدِيدٌ"


أنْظُرُ إلى العَامِ الَّذِي انْطَوَى كَمَا يَنْظُرُ الرَّحَّالُ إِلَى الخَرَائِطِ البَالِيَةِ: أُفَكِّرُ فِي خُطُوطِهِ المُتَشَابِكَةِ، وَأَسْتَعِيدُ فِيهَا ظِلَالَ الخُطَى الَّتِي اتَّبَعْتُهَا.

 كَانَ عَامًا مِلْء الحِيرَةِ، كَأَنَّهُ مِرْآةٌ تَعْكِسُ الوَاقِعَ، وَلَكِنَّ صُورَتَهُ مَكْسُورَةٌ... كَذَلِكَ كَانَتْ أَيَّامِي؛ لُغْزٌ لَا يَنْفَكُّ عَنِ التَّشَكُّلِ وَالانْكِسَارِ.


أَرَى الوَقْتَ مِثْلَ نَهْرٍ خَفِيٍّ يَجْرِي فِي أَعْمَاقِنَا، لَكِنَّهُ يَجْرِي عَكْسَ مَا نَرْغَبُ، يَحْمِلُنَا بَعِيدًا عَنْ ذَوَاتِنَا، وَيُسَابِقُنَا إِلَى نِهَايَةٍ مَجْهُولَةٍ، فِي هَذِهِ المُعَارَكَةِ مَعَ الوَقْتِ، تَبْرُزُ الأَسْئِلَةُ كَنُصْلٍ حَادٍّ: هَلْ نَحْنُ سَجِينَةُ قُيُودٍ لَا نَرَاهَا ..؟ ، أَمْ أَنَّ تِلْكَ القُيُودَ هِيَ مَنْحُوتَةٌ بِدِقَّةٍ فِي أَعْمَاقِ عُقُولِنَا ..؟


يُقَالُ إِنَّ الوَاقِعَ هُوَ مَسْرَحِيَّةٌ، نُؤَدِّي فِيهَا أَدْوَارًا لَمْ نَكْتُبْهَا، لَكِنَّ المَسْرَحِيَّةَ لَمْ تَكُنْ يَوْمًا مُنْصِفَةً. العَدَالَةُ، هَذَا المَفْهُومُ الَّذِي يُثِيرُ أَشْوَاقَنَا، كَانَتْ دَائِمًا فِي طَرَفٍ آخَرَ. نَتَغَنَّى بِهَا، نَحْلُمُ بِهَا، وَنُرَوِّجُ لِوُجُودِهَا، لَكِنَّهَا كَظِلٍّ تَتَحَرَّكَ بَعِيدًا عَنْ مَنَالِنَا.


وَهَكَذَا، نُسَائِلُ نَفْسَنَا: أَلَيْسَتِ الحُرِّيَّةُ، فِي جَوْهَرِهَا، هِيَ أَنْ تَكُونَ لَنَا القُدْرَةُ عَلَى التَّحَرُّرِ مِنْ كُلِّ مَا يُقَيِّدُنَا ..؟ ، أَمْ أَنَّ الحُرِّيَّةَ، هَذَا المَفْهُومُ البَرَّاقُ، هُوَ نَفْسُهُ قَيْدٌ آخَرُ تُزَيِّنُهُ الأَيْدِيُولُوجِيَّاتُ وَالأَوْهَامُ ..؟


لَكِنْ فِي مَوَاقِفَ الأَلَمِ، أَتَوَقَّفُ لِلْتَأَمُّلِ: هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الأَلَمُ نِعْمَةً ..؟ ، هَلْ يَكُونُ الحَافِزَ الَّذِي يُنَظِّفُ رُوحَنَا مِنْ كُلِّ الزَّيْفِ وَالرُّكُودِ ..؟ ، لَعَلَّهُ يُذَكِّرُنَا بِأَنَّنَا أَحْيَاءٌ، أَنَّنَا كَائِنَاتٌ تَتَشَكَّلُ فِي لَحَظَاتِ الصِّرَاعِ وَالتَّجَاوُزِ.


وَفِي كُلِّ ذَلِكَ، تَبْقَى نُقْطَةُ ضَوْءٍ وَاحِدَةٍ: نَحْنُ، بِرَغْمِ تَنَاقُضَاتِنَا وَقُيُودِنَا، لَدَيْنَا القُدْرَةُ عَلَى الخَلْقِ وَإِعَادَةِ تَشْكِيلِ الوَاقِعِ ، لَعَلَّنَا لَنْ نَكُونَ أَبَدًا حُرًّا بِالصُّورَةِ الَّتِي نَحْلُمُ بِهَا، وَلَكِنْ لَعَلَّنَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَكُونَ أَكْثَرَ تَصَالُحًا مَعَ ذَوَاتِنَا.


عَامٌ قَدْ مَضَى، وَفِي يَدِي نُذُرُ الأَمَلِ لِعَامٍ جَدِيدٍ.


عبد العالي لعجايلية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مناجاة روح...زهور الخطيب

علامة إستفهام؟فتحي موافي الجويلي

تحايا...توفيق السلمان