على قيد حلم...عبد العالي لعجايلية

 على قيد حلم...

أخذني السُّهادُ كما تأخذُ العاصفة ورقةً خريفية، تتراقص على حواف التعب، فاستلقيتُ على فراشٍ كأنّهُ نعشُ الأمل، وأغمضتُ جفنيَّ، لا اتكاءً على الراحة، بل فرارًا من وجعٍ يقظٍ، يُطارِدني كما يطاردُ الظلّ جسد صاحبه.


وإذ بي أُساق إلى عتمةٍ ضلّت عنها المصابيح، وأحتجبت عنها حتى خيوط القمر الكسير؛ كأنّني أهبطُ في وادٍ موحش، يُناجي الصمت فيه الصمت، وتتجاور فيه الأشباح كالأفكار السوداء في عقلٍ يضجّ بالصراخ ، شعرتُ كأنّ كلّ مآسي الدنيا قد اختارتني قُربانًا..

 وأنا... أنا ذاك الماردُ القابع في فانوسٍ زجّه الزمان في هوامش النسيان، يلعب به الصغار كما يلعبُ العبثُ بأحلام الكبار، يرمونه كيفما شاءت أهواؤهم، وأنا أصرخ بلا صوت، وأتألم بلا ملامح، أستجدي مخرجًا، كأنّي أبحثُ عن مفتاحٍ في قلب مغارةٍ بلعت مفاتيح الخلاص.


غضبٌ يتلاطم في داخلي كأمواج البحر حين تثور، يُغرِقني ولا يغسلني، يُحرقني ولا يطهّرني. أئنُّ كأنينِ شجرةٍ تُجتثُّ من جذرها، يابسًا دمعي، ناشفًا وجعي، كأنّ الدموع تأبّت أن تكون ماءً، وقررت أن تنزف رمادًا.


أسئلةٌ كالمساميرِ تُدقُّ في جمجمتي، تُلحُّ ولا تُجاب، تُراودُ اليقين فلا تلد إلا الخيبة، كأنّ الإجابات تلبّست بلعنة، أو تزيّنت بثوب الخرس الأبدي.


آهٍ لو كان هذا الجُبُّ الكالحُ حُلمًا فقط، حُلمًا تنقضيه الصحوة كما تنقضي السحابة في سماءٍ جافة...!


ثمّ... حدث ما لم يُروَ.

روحي تسلّلت من جسدي كأنها نايٌ يصعد على سُلَّمِ الضوء، كطائرٍ نسي أسماء الأقفاص، وانبثق من صدره جناحان من نور، يُحلّق في ملكوتٍ لا يُقاس بالزمن.


استفقتُ على دويّ الصمت، كأنّ أضلعي تحوّلت إلى طبولٍ يُقرعها الذهول، نظرتُ حولي، فإذا بالأشياء في أماكنها... إلا أنا.

أنا الذي خرج من الحلم كما يخرج الجمر من تحت الرماد، لا يدري:

هل كان ذلك كابوسًا تَسَتَّر بثوب الحُلم؟

أم أن الحُلم كان هو الحقيقة حين غسلت وجهها من مرايا الزيف...؟


عبد العالي لعجايلية


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مناجاة روح...زهور الخطيب

منفى الرسائل...شعر خالد الخطيب

ابوي علمني ...هبة أبو السعود