"أصداء الذات في متاهة الوجود"أ. عبد العالي لعجايلية

 "أصداء الذات في متاهة الوجود"

في صمت الفجر، حين تصحو الأرواح قبل أن ينهض الضوء من سريره،

تضعني الحياة في امتحانٍ لا مفرّ منه... كأنها تعلم أنّ قلبي حقل ألغام،

تسلّمني للدهشة، ثم تعلّمني ـ من بين الشوك ـ كيف أكتب رسائل على أوراق النار.


خضتُ تجاربَ لا تحصى...

بعضها كان كفقاعاتِ أحلامٍ عابثة، وبعضها كأبراجِ يقينٍ تنبت في عاصفة.

تهتُ... لا مرة واحدة، بل ألف مرةٍ،

كمن يمشي في متاهةٍ تُغيّر جدرانها مع كل نَفَس.


وعدتُ...

أعود منكسرًا كنجمٍ خذله المسار،

إلى نقطةِ الصفر، حيثُ لا بداية سوى البداية.


كنتُ عنيدًا، كصخرةٍ لا يلينها الزمن،

متمردًا على النسخ الباهتة، وعلى الوجوه التي تكرّر ذاتها كالطوابع،

لا أحتمل الأقفاص، ولو كانت من ذهب،

ولا أحب المرايا، فهي بارعةٌ في تزوير الحضور.


كنتُ أهوى الخروج من المصفوفة،

لا لأجل الاختلاف، بل لأجل النجاة من التشابه القاتل.

أحببتني كما أنا، بجراحي التي تمنحني أجنحة،

بخذلاني الذي يعلّمني الرقص في العاصفة،

بأحزاني التي تُغني قلبي لحنًا لا يُنسى.


عشتُ في شجون الحياة، كما يعيشُ الندى في كفّ صخرة،

أهوى صعود الجبال لا حبًا في القمم، بل هربًا من الحفر،

سقطتُ كثيرًا، وما زلتُ أستفيق في كل مرة كأنني العنقاء من رمادٍ جديد.


لا أدري ما الذي أحاول إثباته...

ربما أن الضعف لا يعني الهزيمة،

أو أن الانكسار قد يكون بابًا إلى الضوء...


كنتُ أظنّ نفسي بطلًا في قصة تكتبها الآلهة بحبرٍ من قدر،

لكنني أدركتُ أنني سجينٌ في سجنٍ لا قضبان له،

قضبانه فكرة... وهمٌ... عادةٌ...

قضبانهُ جموعٌ تزدريني من بعيد،

ثم تقترب لتكسرني، لأنني لم أصفق للكذبة


كم رغبتُ في الهروب...

من جلبةٍ صاخبة، من ضجيجٍ يرتدي ثوب الحكمة،

من قناعٍ يبتسم وهو يذبحك بنصل النمط.


لكنني لم أهرب.

كان هناك صوتٌ، داخليٌ، هادئٌ، عميقٌ،

يهمس لي: واجه...

واجِه لتكون، لا لتنتصر.


حاولتُ كسر القيود،

لا لأكون مختلفًا، بل لأكون حقيقيًا...

لكنّ الحقيقة مكروهة،

لأنّ الوهم أكثر راحةً...

والكذبة أكثر قبولًا،

والنوم في القطيع ألذّ من السهر في العراء.


أنا لستُ نبيًا..

ولا شهيدًا..

ولا حكيمًا…

أنا فقط إنسانٌ أرهقته الأقنعة ..

وأراد أن يرى الشمس بعينٍ عارية، ولو احترق.


عبد العالي لعجايلية.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مناجاة روح...زهور الخطيب

منفى الرسائل...شعر خالد الخطيب

ابوي علمني ...هبة أبو السعود