'" أجنحة الرماد '"..بقلم : عبد العالي لعجايلية .
. '" أجنحة الرماد '"
كان لي مرآة...
لا تُظهر ملامحي ، بل تُظهر لي ظلا حين يهرب من عمقها.
كنت أُحدّق فيها طويلًا،
أراها تبتسم لي بعين لا تشبه عيني،
فأخترقتني أو اخترقتها في غيبة التحديق......
فكان الوجود باسط لي يديه كأنّه أمّي.....
ورأيت الحياة قصيدة حب
كل بيتٍ فيها يُغنّى على لحن الطيبة،
والليل سماءه حنونة تنثر نجومها كضحكات الأمهات،
وكل الناس، يمشون بقلوب نقيّة كندى الصباح.
كنت أسمع الورد يُصفّق للعابرين،
وألمس ضوء الشمس كأنّه دعاء قديم خرج من فاه جدتي محملا بالصدق.
حتى صمت الطرقات، كان يعانقني دون أن يخذلني.
لكنّ....على حين غرة
. كسرتني المرآة.....
استفقت على صرخة روعت كياني.
لم استفق على سرير، بل على أرضٍ باردة كوجه الحقيقة
بت أبحث عن النور...
ألملم فتات مرآتي
فإذا بوخزة منها تعيرني الآه والألم.
كنت أبحث عن الضحك...
فإذا بقهقهة تُشبه صفير الريح في فم مغارة مهجورة أتمعن صداها كل ليلة.
الناس ..!!
كأنّهم أوجه بلا أعين،
يتحرّكون بقوالب مسبقة،
ينطقون بألسنة ليست لهم،
ويكذبون...
كمن يستنشق الكذب بدلاً من الهواء.
رأيتهم يتجمّلون بالخراب،
يبتسمون من فوهات قلوب مثقوبة،
يتبادلون الوعود كأوراق شجر ميت تساقط في الخريف،
وأنا ..؟
كنت أحمل مرآتي المكسورة... أبحث عني فيها.
حاولت أن أصرخ،
لكن صرختي علقت في حنجرة الروح،
وتحوّلت إلى رجفة في عيني،
كأني كنت أقول: "أعيدوني إلى ذلك السبات..."
لكن لا أحد يسمع الهارب من الحلم حين يعود وحيدًا.
هُزمت..؟
نعم.
انكسرت .. ؟
كثيرًا.
لكنني لم أمت.
حينها، بدأت أشعر بشيء آخر يتنفس داخلي،
صوت لم يكن لي، لكنه يشبهني.
قال لي:
"ما رأيته لم يكن وهماً .. بل كان أنت، حين انعكست روحك في مرآة حقيقتك ."
فبكيت... لا من الضعف، بل من الحقيقة.
ومن يومها، لم أعد أنا كما كنت.
لم أعد أُقنع أحدًا بشيء،
ولا أُطالب أحدًا بصدقٍ لا يعرفه
ولا أركض خلف ابتسامة مُعلّبة في وجه مهرج قلبه نازف خلف قناعه الساخر.
أصبحت أسمع الزيف ولا أفكّ رموزه
بل أتركه يمرّ بي كما تمرّ الرياح على وجه صخرة
فأنا الآن....
كهف يأوي الألم .
بل ظل يرافق عمري
بل صخرة تعانق صنم .
وفي عزلتي، زرعت بذور وجعي.. حتى صارت من ظمأها جدباء تنبت الصبار.......
أسقيته دمعي الساخن...
ورافقت ظلامه وأنا أشاهد نجمة صغيرة ترقص على أطراف ليلي وتقول لي بصوت مرهف : "أنتَ هنا".
هزت في قلبي رعشة الحياة وأخرجت من جعبتي مرآتي المحطمة.
أخاطبها وأكاد أتوسل إليها في قهرٍ وبؤس قائلا: أرجوكِ لا تُريني الوهم بعين الحقيقة ،و أظهري الحقيقة بعين الحياة...
فبدا من انعكاس النجم نورًا يولد من حدقة عيني ، وفي داخلي يتفرد بالحياة ...
وكأنني مدينة لم تطأها قدم،
فأبتسمت بكل ملامحي..
كأنّني وُلدتُ للتو... من نور يشبهني.
بقلم : عبد العالي لعجايلية .
تعليقات
إرسال تعليق