تحليل نقدي لقصيدة "يا طيوري حرريني" للشاعرة و الاستاذة دعاء السنباطي ( نبع الحياة ) بقلم عبد العالي لعجايلية
تحليل نقدي لقصيدة "يا طيوري حرريني"
للشاعرة و الاستاذة دعاء السنباطي ( نبع الحياة )
بقلم عبد العالي لعجايلية
تحمل القصيدة عنوانا كثيفا بالدلالة .."يا طيوري حرريني".. هذا النداء يكشف منذ البدء عن توق عميق للتحرر، حيث تمثل الطيور رمزا للحرية والخفة والقدرة على الانفلات من قيود الأرض، أما كلمة "حرريني" فتفتح الباب أمام تأمل داخلي حول طبيعة القيد هل هو داخلي نابع من النفس، أم خارجي تفرضه ظروف الحياة..؟
هذا التوتر بين الطموح والانفصال سيمتد كخيط ناظم في مجمل القصيدة.
التحرر من الألم والانفصال
تفتتح القصيدة بإشارة واضحة إلى الألم، إذ تصور الطيور كأداة للخلاص من الحزن والأنين، مما يشير إلى معاناة متجذرة، لكن هذا التماهي سرعان ما ينقلب إلى مفارقة لافتة عندما تقول الشاعرة : "للطبيعة هاجري... يا طيوري غادريني".. هنا يتجلى تناقض داخلي.. كيف تطلب ممن يحررها أن يغادرها...؟
هذا يطرح تساؤلات عن طبيعة التحرر، وهل يستوجب التضحية بجزء من الذات ..
يبدو أن الشاعرة تقف على عتبة وعي جديد، ترى فيه أن بعض جوانب الحرية تتطلب فراقا موجعا.
تحطيم القيد ووداع السماء
تواصل القصيدة استحضار رمزية القيد والتحليق، حيث يُطلب من الطيور أن تحطم القيد وتعود إلى السماء، السماء هنا ليست مجرد فضاء، بل رمز للفطرة والنقاء والسمو، أما "ودعيني" فهي ليست مجرد كلمة عابرة، بل تحمل ألم الانفصال النهائي. التحرر، كما تصوره القصيدة، ليس حالة مبهجة فقط، بل وجع ناعم يشبه وداعا أخيرا بين الذات وماضيها.
التحرر من الوتين واليقين
تصل القصيدة إلى أعمق لحظاتها حين تقول: "رفرفي كالروح وامضي... للتحرر من وتيني" استخدام "الوتين" الذي هو شريان الحياة يرمز إلى قطيعة جوهرية مع أصل الألم والوجود المادي ذاته، هذا النوع من التحرر لا يسعى فقط للخلاص من الحزن، بل من كل ما يربط الإنسان بالحياة المؤلمة، ويتبع ذلك استحضار لهدف أسمى.. "واسلكي بالهدي دربا... واحدا نحو يقيني" التحرر هنا له غاية، وهو الوصول إلى يقين يتجاوز الألم والارتباك.. إنه يقين روحي، أو ربما وعي صاف بذات متصالحة.
طيف الجنون وقول العقل
تظهر في هذا المقطع صراعات نفسية داخلية، حين تقول: "لا تبالي إن أتاك طيف يختال جنوني". هذه العبارة تكشف عن تجارب مضطربة ربما عاشتها الشاعرة، لكنها تدعو إلى تجاوزها وعدم الالتفات إليها، ثم يأتي صوت العقل حاسما .. "واسمعي للعقل قولًا... قال حين أكون كوني"....في هذه اللحظة، يتحول العقل إلى نداء للكينونة الواعية، إلى دعوة للتماهي مع الوجود في صورته الأسمى، حيث لا مكان للضياع، بل للوضوح والقرار.
إغلاق الباب للروح
في ختام القصيدة، تطلب الشاعرة من الطيور إغلاق باب الروح في وجه الحنين ومفارقتها، إنها لحظة حاسمة تعلن فيها القطيعة مع الماضي، مع الذكريات، ومع كل ما يمنع الانطلاق، هذه ليست مجرد نهاية، بل بداية جديدة تتحرر فيها الذات من قيودها النفسية والعاطفية، ولو بثمن باهظ من الروح.
ملاحظات تأويلية
غموض هوية "الطيور" يفتح النص على احتمالات متعددة: هل هي مشاعر..أحلام.. أجزاء من الذات....؟
هذا الانفتاح يمنح القصيدة طابعا شموليا يجعلها قريبة من كل قارئ.
عدم تحديد "القيد" يعمق البعد الرمزي للنص ، فالقيد يمكن أن يكون اجتماعيا، عاطفيا، أو وجوديا، وهو ما يزيد من قوة التأويل.
اعتماد القصيدة على الرموز والمجردات دون تفاصيل حسية يكرّس بعدها الفلسفي والنفسي.
ترك "اليقين" غامضا يجعل من القصيدة رحلة مفتوحة نحو الذات، تختلف غايتها من قارئ لآخر.
خاتمة
"يا طيوري حرريني" ليست مجرد صرخة، بل عمل شعري عميق يسبر أغوار النفس البشرية في لحظات مخاضها الروحي.
هي قصيدة عن الانفصال لا كفقد، بل كتحرر، عن الألم لا كضعف، بل كبوابة للانعتاق ، وعن الطيور، لا كرمز خارجي، بل كتجسيد لصوت داخلي يدعو الذات إلى أن تحلق، حتى لو كان في وداعها موتٌ صغير لحياة كانت تقيّد الروح.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
القصيدة:
ياطيوري حرريني
ـــــــــــــــــــــــــ
ياطيوري حرريني.....واعبري فوق الأنينِ.
وانزعي الحزن الذي..... بات هماً يعتريني
للطبيعة هاجري ......ياطيوري غادريني
حطمي القيد وعودي.. للسماء وودعيني.
رفرفي كالروح وامضي... للتحرر من وتيني.
واسلكي بالهدي دربا.... واحداً نحو يقيني
لا تبالي إن أتاكِ..... طيف يختال جنوني
واسمعي للعقل قولا... قال حين أكون كوني
أوصدي للروح باباً.... للحنين وفارقيني....
ــــــــــــــــــــــ
بـوح الصورة..
بقلم ✍️ دعاء السنباطي
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تعليقات
إرسال تعليق