حين تهمس الأرواح وتعانق القلوب** // كلمات براي محمد

 **                           حين تهمس الأرواح وتعانق القلوب**


غياب الشيء عن بصرك لا ينفي وجوده.. فالحب أعظم من أن يُحاط بحدود لا ترى، إنه يسكن في ذلك المكان الذي تُخبئه القلوب كسرٍّ مقدس، مكانٌ تُنصت فيه الأزمنة لهمسات الوجود، وتذوب فيه المسافات بين الظاهر والخفـي.. هناك حيثُ لا يحكم العقل بقوانينه، ولا تتحكم الأيام بأقدارها.. هناك حيثُ تصير الغـيبةُ حضورًا لا يُدرَك إلا بهمس الروح.


أحيانًا.. يمر إنسانٌ كلمحة نورٍ في طريقك، فيقلبُ عالمك رأسًا على عقب.. يأتي كنسيمٍ لم تنتظره، فيحركُ سكون أيامك، ويهزّ أغصان ذاكرتك المنسية.. تسقطُ منه كلماتٌ كالندى على أرضٍ عطشى، فتنبت فجأةً زهورٌ لم تكن تعرف أن بذورها مختبئة تحت تراب قلبك.. تسأل نفسك: من أين جاء؟ وكيف عرف طريقًا إلى أعماقي لم أكن أعرفه بنفسي؟ هل كان جزءًا مني فانفصل ذات يومٍ، أم أنني أنا الذي انفصلت عنه حين وُلدت؟


تبدأ بمراقبة تفاصيله.. في عينيه ترى شمسًا تشرق من زمنٍ آخر، في صوته تسمع نايًا يعزف نغماتٍ كانت تُهدهد أحلامك قبل أن تُخلق.. في لمساته تكتشف أن جسدك ليس جسدًا، بل وطنٌ من الأسرار ينتظر من يقرأه.. في صمته تفهم أن الكلمات مهما عظمت تظل صغيرة أمام ما لا يقال.. حينها تعرف أن هذا اللقاء ليس صدفةً عابرة، بل هو مصيرٌ كتبته الأقدار على جبين القلوب قبل أن تتعلم الأيدي كتابة حروف الأماني.


تمر الأيام وأنت تحاول أن تفهم هل تعرفه منذ الأزل؟ أم أنه هو الذي سقاك كأس الأمان؟ تسأل نفسك أهذا الحب اختيارٌ صنعته أنا، أم هو قدرٌ صنعني أنا؟ لا تجد إجابة.. لأن الروح حين تُحب لا تسأل عن السبب، ولا تطلب الإذن.. تشعر أنك كنت هنا من قبل، أنك عرفت هذا الشعور في حياةٍ أخرى، أو في حلمٍ لم تستطع أن تتذكره.. كأن الحب ذاكرةٌ مشتركة بين كل من أدركوا أن الوجود أكبر من مجرد عيش.


الحب الحقيقي ليس قرارًا.. إنه كالموجة التي تخطفك من الشاطئ إلى أعماق المحيط.. أنت لا تسبح فيها، بل تُسبحُ بها.. لا تملك إلا أن تستسلم لقوتها، وتتبع إيقاعها حتى لو جرّك إلى حيث لا تعرف.. تشعر بالخوف، لكنك تدرك أن هذا الخوف هو البوابة الوحيدة نحو الحقيقة.. الحقيقة التي تقول: كل ما مضى كان مجرد استعداد لهذه اللحظة.. كل من أحببت، كل من جرحت، كل من رحلوا.. كلهم كانوا مجرد محاولات تبحث في أعماق  قلبك علها تجد باب المتآلفين".


في النهاية تدرك أن الأسئلة كلها لا طائل منها.. فالحب أعظم من أن يُفسر بكلمات البشر.. هو كالريح لا تراه لكنك تشعر أنه يلفّك، يدفعك، يغيّر اتجاهك.. هو كالموسيقى لا تُرى لكنها تهزّ أعماقك كالإعصار.. هو كالروح لا تعرف شكلها لكنك تعلم أنها هناك.. تُنير دروبك حتى عندما تظن أنك سائرٌ في الظلام.


لذلك، لا تتعجب إذا وجدت نفسك فجأةً تتعلق بإنسانٍ لم تخطط لوجوده في حياتك.. لا تلُم قلبك إذا شَغَلك عن الكل ما عداه هو فقط ارفع رأسك إلى السماء، واشكرها لأنها منحتك أعظم هبة أن تعرف أن هناك قلبًا آخر ينبض بنفس إيقاعك.. أن هناك روحًا وُلدت معك وهي أنفاسك التي تتنفسها.. وأن هناك يدًا ستظل ممدودةً لك حتى عندما تنتهي كل الساعات.. يدٌ تعرفك أكثر مما تعرف نفسك، لأنها ببساطةٍ.. كانت دائمًا جزءًا منك.. تلك هي الأرواح المتجانسة في عالم اللاوعي , تسبح في بحر الاحلام , ترتجي أملا يعانق أفئدة ثملة تحتسي خمور العشق لتنسيها من تكون... .


كلمات راقت لنا  **......      كلمات براي محمد/ الجزائر**


** **

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مناجاة روح...زهور الخطيب

منفى الرسائل...شعر خالد الخطيب

ابوي علمني ...هبة أبو السعود