حين يرتجف المعنى...أ. عبد العالي لعجايلية

 ~ حين يرتجف المعنى ~


مما نخاف

نخاف من مرآة لا تجامل

مرآة لا تغضّ الطرف عن خيباتنا المعلّقة في العيون

بل تفضحنا كما نحن

شروخًا تتمشى على قدمين من تصنّع


نخاف من الصمت

لأنه يتقن جلدنا بصوت أبلغ من الصراخ

ومن السكون

لأنه يفضح العاصفة التي نزخرفها بضحكة باردة


نخاف من الوحدة

لأنها تغلق النوافذ وتطفئ المصابيح

ثم تهمس

تعال، اجلس أمامك

بلا أقنعة، بلا مجاملات، بلا أحد


نخاف من الحب

لأنه يغرس وردة في صدورنا ثم يرحل

تاركًا لنا شوك الانتظار

نخافه حين نثق

لأن الثقة بساط يُسحب حين نكون في الهواء


نخاف من الرحيل

لأنه ينتزع الأحبة من قلوبنا كما تُنتزع الأرواح من أجسادها

ويخلف مكانهم بقع وجع لا تمحوها الأيام ولا الدموع المؤدبة


نخاف من الطرقات

لأنها تشبه قلوبنا

متفرعة، مظلمة، ولا أحد يعرف أين تنتهي


نخاف من النهاية

لأنها توقظ السؤال الذي خبّأناه طويلاً في درج الروح

هل كنا نعيش

أم نؤدي دورًا في مسرح بلا جمهور


نخاف من الحقيقة

لأنها سيف يقطع حبل الأوهام دون أن يعتذر

ونخاف من الحرية

لأنها ريح لا تحترم الحيطان

تهدم ما بنيناه من سجون ذهبية


ونخاف من النور

لأنه يكشف وجوهنا التي أتقنت فن التجمّل حتى نسينا ملامحنا


رأيته هناك

رجلًا في الخمسين

يجلس على الرصيف

يحتضن خوفه كما يحتضن الطفل نعشه الصغير

يبكي بلا صوت

كأنه يخشى أن يسمعه أحد

فيصدّق أنه لا يزال حيًا


نخاف من أنفسنا

من الطفل المهجور في أعماقنا

الذي لم يزل ينتظر عناقًا لن يأتي

لأنه تأخر كثيرًا


فالخوف يا صاح

ليس ظلًا يعبر الحائط

بل رجفة في جدار الوعي

وشق في ميزان الكينونة

الخوف دمعة متحجرة في عين الروح

وأنين معنى يتدلّى من حبل مقطوع اسمه الأمان


وربما

كل ما نخشاه

كان ينتظرنا فقط

كي نلتفت إليه

فنراه ضئيلًا

كنقطة مرتجفة في ماض لم نعد نحتاجه


 عبد العالي لعجايلية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مناجاة روح...زهور الخطيب

منفى الرسائل...شعر خالد الخطيب

ابوي علمني ...هبة أبو السعود