نكون أو لا نكون: أ. معز ماني

 نكون أو لا نكون: صرخة في وجه الغفلة، من أجل ثورة فكرية وإيمانية كبرى .

بقلم : معز ماني .

دعوة ملحة لإعادة تفسير القرآن وخطابنا الديني بلغة العصر :

إنه لمِن العار، بل من الكارثة الحضارية، أن يظل القرآن الكريم، كتاب الله الخالد، محصورا في الجنائز، ومناسبات استخراج الجن، وتكريس الطقوس الجامدة التي تفرغ الدين من جوهره. 

إن القرآن، هذا الكتاب الذي غير مسار البشرية، تحول بفعل الجمود العقلي والخمول الديني إلى تراتيل ميتة، تقرأ على الموتى أكثر مما تقرأ على قلوب الأحياء.

وإذا استمر تعاملنا مع هذا الوحي الإلهي بهذه السطحية القاتلة، فلن يكون مصير الأمة إلا مزيدا من الذل، والانهيار، والتبعية، والهوان.

القرآن : دعوة للحياة لا طقوس للموت .

القرآن ليس كتاب طلاسم، ولا أداة تعاويذ، بل مشروع حياة، ومنظومة حضارة، ودستور إنساني شامل يخاطب العقل والقلب والواقع.

لكنه اليوم غائب عن ميادين الحياة، غائب عن الجامعات، عن المؤسسات، عن المنهج التعليمي، عن المختبرات.

ألم يحن الوقت بعد لنفيق من غفوتنا؟

ألم يئن لنا أن نعيد النظر جذريا في كيفية تعاملنا مع هذا الكتاب الخالد، الذي أنزله الله ليكون دليلا للبشرية في كل زمان ومكان، لا ترنيمة تقرأ في العزاء وتنسى بعده؟!

لقد آن الأوان لإعادة تفسير القرآن بلغة العصر، لغة العلم والتكنولوجيا، اللغة التي يفهمها شباب اليوم، وتترجم تطلعاتهم وآمالهم، وتواجه أسئلتهم بجرأة وشجاعة،حان الوقت لنقرأ القرآن ، بلغة يفهمها أطفال اليوم ومهندسو الغد، لا بلغة الترهيب الغامض ولا الخرافات التي شوهت صورة الدين، وضيعت على الناس نور الرسالة المحمدية.

الخطاب الديني : لا بد أن يولد من جديد .

الخطاب الديني الحالي، في معظمه، لا يجيب عن أسئلة العصر، بل يهرب منها،يتكئ على الماضي، ويقدس الموروث دون تمحيص، ويعادي العقل وكأنه عدو للدين.

وهذا خطأ فادح، فالدين الذي أنزل بالعقل لا يعادى بالعقل. والخطاب الذي لا يتطور، يتحول إلى عبء على الدين ذاته.

نحن بحاجة إلى خطاب ديني يعيد إحياء مقاصد الشريعة، يخاطب وجدان الإنسان، يمد الجسور بين النص والعلم، بين الإيمان والفكر، بين الغيب والواقع، لا أن يغلق الباب في وجه كل تساؤل، ويرهب كل تفكير.

التعليم العصري : طوق النجاة الأخير .

التعليم القائم على الحفظ والتلقين هو أحد أكبر الجرائم التي ارتكبت في حق هذه الأمة.

هو من جفف منابع الإبداع، ووأد العقول في المهد، وأخرج لنا أجيالا تحفظ ولا تفكر، تطيع ولا تناقش، تتبنى ولا تبدع.

لن تنهض هذه الأمة ما دامت مدارسها تقتل في أطفالها ملكة التساؤل، وتغرس فيهم الخضوع الأعمى تحت شعار "لا تسأل كثيرًا، هذا ما وجدنا عليه آباءنا".

التعليم الذي لا يخلق مفكرا، لا يستحق أن يسمى تعليما.

الدول التي تحترم نفسها، تنفق أغلب ميزانياتها على البحث العلمي والتعليم، لا على البهرجة والسياسات قصيرة النظر.

إننا في أمس الحاجة إلى مناهج جديدة تزرع حب الاكتشاف، وتعيد "التفكير الإسلامي" إلى مكانته، كعلم يدرس بعمق كالفلسفة والفيزياء والرياضيات، لا كمساق ثانوي يحشى في الزوايا.

الإعلام : من التجهيل إلى التنوير .

الإعلام الحالي لم يكن مجرد مقصر، بل شريك في التدمير.

كرس ثقافة التفاهة، جعل من الرقص والغريزة والمشاجرات قضايا الساعة، بينما تراجع الدين والعلم والفكر إلى الزوايا المظلمة.

عمل بوعي أو بلا وعي على تمييع وعي الأمة، وتفكيك ذاكرتها، وحشو عقول الأجيال بأوهام الشهرة، لا أوزان القيم.

نحن بحاجة إلى نسف هذا الإعلام نسفا، وبناء منظومة إعلامية راقية، هادفة، تصنع وعي الأمة كما يصنع التعليم مستقبلها،لا إصلاح بدون إعلام جديد، إعلام يصنع العقل لا يغيبه، يحفز الفكر لا يخدره،يعلي من شأن المبدع لا المهرج، ويقود الأمة نحو بر الأمان، لا مستنقعات الضياع.

الرغبة السياسية : حجر الزاوية .

كل هذا لن يكتب له النجاح إلا إذا توفرت الإرادة السياسية الجادة، والشجاعة الأخلاقية للدخول في مشروع حضاري ضخم يعيد بناء الإنسان من الداخل، لا ترقيعه من الخارج.

الإصلاح الحقيقي لا يبدأ من الخارج، بل من العقل والوعي والموقف،والمسألة لم تعد ترفا فكريا ولاجدلا نخبويا

بل قضية وجود، "نكون أو لا نكون."

النداء الأخير : ثورة فكرية وإيمانية كبرى .

أنا لا أكتب هذا من باب الحماسة العاطفية، بل من عمق الإيمان بأن أمتنا لا تموت، ولكنها تحتاج إلى من يوقظها من سباتها.

لهذا، أدعو إلى ثورة فكرية وإيمانية كبرى،ثورة تعيد القرآن إلى مركز الحياة،وتعيد بناء الخطاب الديني بلغة هذا العصر،كما تعيد الاعتبار للتفكير الإسلامي كعلم حقيقي يدرس لا يزين.

ثورة تطلق العنان للتعليم الحر والبحث العلمي.و تنسف الإعلام الرخيص، وتقيم مكانه إعلاما وطنيا راقيا،تستند في ذلك، إلى مشروع سياسي نهضوي واضح المعالم.

لن نبعث من جديد ونحن نقدس التلقين، ونخشى العقل، ونهمش القرآن، ونطفئ مصابيح المعرفة،إنها دعوة صريحة، جذرية، غير قابلة للمساومة،آن أوان النهوض، وإلا فالموت البطيء .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مناجاة روح...زهور الخطيب

منفى الرسائل...شعر خالد الخطيب

ابوي علمني ...هبة أبو السعود