عيدية الجد (علي) ..محمود العارف علي

 عيدية الجد (علي) 

-------------

-----------------------------

بعد أن انتهينا من صلاة عيد الأضحى، حملني جدي (أبوعرفات) فوق كتفه لكي افوز بتلك البالونه المُعلقه عالياً  انطلقنا ناحية المنزل وشرع جدي يكبر بصوت مسموع" الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا.. إلى آخره" شددت جدي من طرف ثيابه وقلت اسمع ياجدى عندما ادخل الجنه سأجلس بجوار النبي  إبراهيم وأسأله كيف سولت لك نفسك ان تذبح ابنك؟ قهقه جدي ههههه وقال ( أترجُمُ بالغيب) ومن قال انك ستدخل الجنه ياشبر ونصف  لعل الله أن يرحمك ياولدي برغم انك طفل وديع وعلى الدوام صامت لكن حينما تتحدث يأخذك عقلك بعيداً  عن السرب " ثم أضاف وهو يربت على ظهري - لكن اليوم عيد إفرح ولا تبالي . عاد الجميع إلى منازلهم تغمرهم فرحة العيد، تتعالى أصوات الضحكات وتفوح رائحة البخور واللحم المشوي من البيوت. الشوارع يكسوها السكون ولا سيما (الدرب الغربي) أسند جدي  ظهره إلى جدارالمنزل  الذي كانت تحفه الملائكه بأجنحتها  ذلك المنزل الذي طالما شهد حكايات العمر والطفولة.


كان الشارع مزدحمًا بالصغار وسرعان ماالتفّوا حول جدي وهم يتزاحمون ليكونوا الأقرب إليه كما يفعلون في كل عيد، وهم يعلمون جيدًا أن بين يديه أسرار الفرح  مد جدي يده إلي جيبه وأخرج رزمة من النقود وبدأ يوزعها عليهم واحد تلو الآخر بيدٍ تفيض بالحنان .لكن شيئًا جذب انتباهي... هناك صبيٌ يقف على ناصية الشارع بجوار (المندرة الغربيه) . وقفت أنظر إليه — ثيابه بالية، حذاؤه ممزق، ووجهه شاحب  بدا الفقر وقد عبث بملامحه حتى لم يتبق منها غير نظرة خجولة تبحث عن مكان بين الأيادي الممدودة. رأيت جدي يعطيه عيدية أيضًا ويربت على كتفه ، فانفلت لساني دون تفكير: – "جدي، لماذا أعطيته؟ إنه لا ينتمي إلى عائلتنا." إنه ليس من( بيت السيد) 

نظر إليّ جدي نظرةً لا أنساها. ولمعت عيناه كومضة برق. وقال بعد أن جز على أسنانه  (صه ياكلب) سوف تجلُب إلينا العار،، تنهد تنهيدة طويله أطفأتِ نصف غضبه – وقال "يا بني، لقد أوصانا النبي على سابع جار... والكرم لا يُحصر في دم ولا يعرف نسباً الكرم كالغيث أينما أصاب نفع

ثم التفت إلى الداخل، ونادى بصوت عالٍ: – "يا أم عرفات، أعدّي صاعًا من الحنطة لهذا الصبي."

دخلت جدتي وهي تمسح يديها بطرف مئزرها، وقد فهمت دون أن تسأل. دقائق، وخرجت تحمل كيسًا صغيرًا وضعته في يد الطفل. لم ينطق، فقط انحنى رأسه قليلًا وهمس بشكر خجول، ثم جرى كمن يحمل كنزًا بين يديه ولا يريد أن يراه أحد. وقفت ساكنًا اشعر بشيء غريب يتسلل داخلي شيء يشبه الخجل، وفهمت أن جدي لم يكن يوزع العيديات بل كان يوزع الرحمة. إنتهى اليوم وذهب جدي إلي مضجعه بعد أن قام بضبط المذياع على محطة القرآن الكريم ومن ثمَ قام بإغلاقه . وضع رأسه على الوساده وهو يتلو بسم الله الرحمن الرحيم، وسيق الذين أتقوا ربهم إلى الجنة زمرا  ...  إلي آخر الآيه،، وسرعان ما خطفه النوم. مرت السنيين سريعاً توفي جدي عليه رحمة الله وعلى الفور رفعت الملائكه أجنحتها من فوق المنزل وأدارت لنا ظهورها وهي تطير ناحية السماء إلى حيث اللاعوده. النهايه ..

. كتبها محمود العارف علي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مناجاة روح...زهور الخطيب

منفى الرسائل...شعر خالد الخطيب

ابوي علمني ...هبة أبو السعود