غباء وراثي بقلم: ماهر اللطيف
غباء وراثي
بقلم: ماهر اللطيف
بعد أن تعطل شاحن هاتفي الجوال الجديد، انطلقت أبحث عن بديل أصلي أستعين به. جبت أسواق المدينة، من محلات بيع الهواتف النقالة إلى باعة المستلزمات الإلكترونية، مرورًا بالباعة المتجولين والمهرّبين... لكن دون جدوى.
قادني اليأس إلى السفر بسيارتي في يوم واحد إلى مدن مجاورة عدة، حتى عثرت أخيرًا على شاحن أبيض اللون كما كنت أتمناه. ورغم ثمنه الباهظ، غمرتني فرحة لم يضاهها فرحي بشهادتي الجامعية أو بقبولي في منصبي الهام في الوزارة.
في صباح اليوم التالي، تفقدت هاتفي فوجدت الشحن لا يتجاوز العشرين في المائة. استعنت بالشاحن الجديد الذي ربطته بالهاتف في غرفتي، ثم خرجت مع أصدقائي لشرب القهوة في يوم راحتي الأسبوعية، وكانت الساعة لا تزال في العاشرة صباحًا.
قضينا أكثر من ساعتين هناك، ثم تجولنا في السوق الأسبوعي، واقتنينا بعض الخضر والغلال، جُبنا الأزقة والطرقات مترجلين، قبل أن نفترق مع أذان العصر الذي دوّى من مآذن المدينة، بعد أن صلينا الظهر جماعة.
أديت العصر في مسجد الحي، ثم عدت إلى البيت وتناولت الغداء، فغلبني النعاس. قبيل المغرب بقليل، استيقظت متثاقلًا وكأني كنت ضحية لضرب مبرح.
انتبهت فجأة لهاتفي: هل اتصلت بي هيام، حبيبتي؟ هل رقّ قلبها وصفحت عني؟ هل نبض قلبها باسمي من جديد؟ تناولت الهاتف المربوط بالشاحن وأنا غارق في ذكريات خصامنا منذ شهر، يوم كنا نتناول الغداء في مطعم فاخر، حين أخذت أختلس النظر إلى شابة جميلة طويلة القامة، رشيقة القوام...
يومها، حذرتني هيام مرة، فثانية، فثالثة، وأنا لا أرتدع. صاحت، نهرت، رمت المنديل في وجهي، صفعتني وشتمتني، ثم غادرت. أما تلك الشابة، فبعد أن تأففت طويلاً، أدارت وجهها، غيرت مكانها، وأشارت لي بأنها مخطوبة، قبل أن تثور كالثور المصارع في إسبانيا، فتنال مني شتمًا وصفعًا أمام رواد المطعم الغاضبين.
أفقت من شرودي، نظرت إلى شاشة الهاتف: لا مكالمات فائتة. هممت بإعادته إلى مكانه، لكني لاحظت أن نسبة الشحن هبطت إلى واحد في المائة! استشطت غضبًا، زمجرت، وصحت: "لقد احتال عليّ هذا البائع الوقح!" فتحت درج مكتبي، أمسكت المقص، وقصصت خيط الشاحن إربًا وأنا أتوعد البائع صباح الغد.
وبينما أنا على هذه الحال، مرت أختي الصغرى، ضغطت على زر الإضاءة، فلم يعمل. ابتسمت قائلة:
– ما هذا يا الله؟ استغفر الله العظيم!
– (مستغربًا) ما بك؟
– (مشيرة بإصبعها) الكهرباء مقطوعة منذ الصباح في حينا،
ولم تُرجع بعد.
– (متجمدًا في مكاني كأن دلوا من ماء بارد صُبّ عليّ) الكهرباء مقطوعة؟
(تهز رأسها تأكيدًا)
– لا أصدق! (أقهقه عاليًا وأنا أفرك كفي بقوة) يبدو أن الغباء وراثة في هذه العائلة.
قصصت عليها ما جرى، فضحكت طويلاً، ثم فضحتني أمام العائلة كلها، فانهالوا عليّ بالسخرية. عندها، أقسمت أن لا أنام بين العصر والمغرب أبدًا... مهما كانت الظروف، أن أحكم عقلي وأدبر أمري قبل رد فعلي،أن أكون مسؤولا راشدا وواعيا فعليا حتى لا أقع في شر أقوالي وأفعالي.
تعليقات
إرسال تعليق