حب تجهلونه...د. أسامه مصاروه

 حب تجهلونه

قالت

لا أدري إنْ كُنْتَ تسألُني عن مكان إقامتي أو عن وجودي. معْ أنّني لستُ خبيرةً بشيءٍ باستثناءِ حبَّكَ أقولُ:

إن قصدتَ المكانَ الذي أسكنُ فيه الآن فهو مكانٌ لا مثيلَ له في مكوّناتِهِ الجغرافيّةِ. أنا حبيبي أسكنُ في جليدٍ صحراويٍّ أو صحراءَ جليديّةٍ. ولعلّكَ باخِعٌ نفسَكَ على معاناتي اليوميّة هنا وهي التي لا تقربُ قيدَ أنملةٍ من معاناة الأسرى في سجونِ الاحتلالِ الغاصبِ، المدمّرِ، الحاقد ِ، الكارهِ، الظالمِ وهلُمَّ جرّا.

ولكنَّ روعةَ الإحساسِ بأنّكَ معي تجعلُني أحيا راضيةَ مرضيّةً في هذا النعيمِ الغرامي الجميل.   هنا روحُكَ تسكُنُني، قلبُكَ ينبضُ في صدري ونورُ هواكَ ينيرُ غياهبَ محيطي، فلا أرى إلا الجمالَ والنقاءَ والصفاءَ. هنا لا يكدرُ النفاقُ والرياءُ والفسادُ والعنصُريّةُ والكراهيَّةُ .... صفوَ حياتي أبدًا.

أمّا إذا كنتَ تسألُ عن وجودي فهو مشكلةُ المشاكِلَ. وجودي بالنسبة لي لهُ دلالاتٌ تختلف اختلافًا جذريًا حسبَ مفهومي وإدراكي. وجودي إحساسٌ بكلِّ ما هو خيْرٌ في هذا الوجود. إنّهُ الشعورُ بالانتماءِ الذي يجعلني أتماهى ليس فقط مع أبناءِ شعبي، قومي بل ومع الإنسانية بكلِّ ما تحملُهُ من معانٍ ودلالاتٍ. انا هنا ابنةُ آدمَ وحواءَ

وابنةُ هذا الكوكبِ الحزينِ الكئيبِ. كم أريدُ أن يكونَ وجودي جميلاً، سالمًا، آمنًا، طيّبًا، ويكونَ أخي ابنُ آدمَ وحواءَ متسامحًا، متعاونًا، متضامِنًا وعضُدًا.

أحِبُّكككككككككَ.

قالَ:

حبيبتي كم تمنيتُ أنْ أعيشَ في غابةٍ استوائِيّةٍ بين القرودِ، أجل، لا تضحكي وصدقيني هذه كانت أمنيتي ورغبتي منذُ سنينَ طويلةٍ. قلتُ في نقسي ربّما يكونُ المجتمعُ "القرداوي"، إذا صحَّ هذا الوصفُ لُغويًا، أكثرَ تسامُحًا وتعاوَنًا وتضامُنًا كما ذكرتِ في رسالتِكِ الأخيرةِ. 

وصدِّقيني يا عزيزتي بأنَّ مكاني ووجودي كليْهما أشدُّ صعوبةً وقسوةً من أيِّ مكانِ ووجودٍ آخريْنِ.

لقد عرَّفْتِ في رسالتِكِ مفهومَ المكانِ والوجودِ، وقد قلتِ صدقًا وحقًا.

لعلّ أحدَ القوليْنِ المأثوريْنِ "لا نبيّ في قومهِ"، أو لا كرامةَ لنبيٍ في وطنهِ" يصفُ وصفًا دقيقًا وضعي أنا شخصيًا.

تخيّلي يا ملاكي شعورَ من يعيشُ على هامشِ حياةِ مجتمعِهِ، بل إلى ما هو أبعدُ منهُ بكثيرٍ. فإذا كنتُ مجنونًا هناك مؤسّساتٌ ترعاهُ، طبعًا هذا في المجتمعاتِ المتطوِّرةِ. وإذا كانَ صادقًا في كلِّ ما يقولهُ خاصةَ بنقدهِ لملِكهِ أو أميرهِ أو زعيمِهِ ونظامِ حكمِ كلِّ واحدٍ منهم، فمصيرهُ إمّا غياهبُ السجْنِ بدونِ محاكمةٍ أصلًا، وإمّا النفيُ من البلادِ، وإمَا التقطيعُ حيًّا وإخفاءِ أشلائِهِ لدرجةِ أنَّ "الدبان لزرق ما راح يعرف مكانه". وإذا وجَّهَ العالمُ كلُّهُ أصابعَ الاتهامِ لهذا الأميرِ أو الملكِ أوِ الزعيمِ، لا قيمةَ ولا تأثيرَ لهذا الاتهامِ، "لماذا!!!" 

لأنَّ العالمَ فاسدٌ منافقٌ من أصغرَ إلى أكبرَ دائرةٍ،

أي من العائلةِ الصغيرةِ إلى الدولةِ ذاتِها.

لا مكانَ للصادقِ، المستقيمِ، الحرِّ والوطنيِّ حقًا، إنسانُ هذهِ صفاتهُ، صلاحُ الدولةِ أو الأمّةِ حتى والعالمِ بأسرهِ يصبُّ في مصلحتهِ الشخصيّة، فسلامتُهُ من سلامِ دولتِه، وأمانُهُ وأمْنُها من أمانِها وأمْنِها، وتقدّمُهُ وتطوًّرُهُ من أمانِها وأمنِها، تقدُّمِها وتطوّرِها، وكلُّ ذلكَ يؤدي إلى سعادتِهِ الشخصيّةِ.

عن كلِّ هذه الأمورِ عوَّضني اللهُ بحبِّكِ، إذ في حِماهُ وجدتُ كلَّ مقوّماتِ السعادةِ الروحيّةِ. عوّضني حبُّكِ يا حبيبتي عن همومي كإنسانٍ عاديٍّ، كما عوَّضني عن فقدانِ أمني وأماني وضياعي وسيْري في متاهاتِ هذا العالمِ الكئيبِ.

عوضَني حبُّكِ عن كلِّ احتياجاتِ الدنيا فلم تعُدْ تزعجُني وتؤلمُني. لقد أصبحَ العالمُ الكبيرُ أصغرَ من راحتي، فحملتُهُ برفقٍ علّني أخففُ من مآسيهِ وأزيلُ عنهُ ما علقَ بهِ من شرورِ الإنسانِ وظلمِهِ وقهرِهِ لأخيهِ الإنسانِ. أُحِبُّكككككككككِ

د. أسامه مصاروه

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا التقينا ،،سعد عبد الله تايه

مناجاة روح...زهور الخطيب

في محراب الحب ...سعد عبدالله تاية