رحلة جيل يبحث عن توازنه...أ. ورود نبيل

 بين ضجيج العالم وصوت الذّات: رحلة جيل يبحث عن توازنه


مقدمة

نعيش في زمن تتسارع فيه الأخبار، وتتصارع فيه الأصوات، حتى بتنا نخشى أن يضيع صوتنا الحقيقي وسط هذا الضّجيج، كثير من الشّباب اليوم يشعرون أنّ العالم يفرض عليهم إيقاعًا سريعًا، وأنّهم إن لم يركضوا وراءه، فسيتخلّفون عن الرّكب، لكنّ السّؤال الذي يفرض نفسه: هل السّباق حقًا في الخارج، أم في الدّاخل؟


ثقافة السرعة وضغط التّوقعات


لم يعد النّجاح عند جيلنا يُقاس بالخطوات الصّغيرة، بل بالقفزات الكبيرة، المجتمع يريد من الشّاب أن ينجح بسرعة، أن يتفوّق بسرعة، أن يثبت ذاته بسرعة، وكأننا نُسابق عقارب ساعة لا تعرف الرّحمة،

لكنّ الحقيقة أنّ لكلّ إنسان وتيرته الخاصة، البطء ليس فشلًا، والتّأخر ليس هزيمة، بل قد يكون في التّمهّل مساحة للتّأمل، وفرصة لرؤية الطّريق أوضح.


وسائل التّواصل: ساحة للتّعبير أم سجن صامت؟


لا يمكن إنكار أنّ وسائل التّواصل الاجتماعي فتحت أبوابًا واسعة للشّباب: للتّعبير عن آرائهم، لنشر مواهبهم، وللتّواصل مع العالم، لكنّها في الوقت ذاته، جعلت المقارنة مرضًا يوميًا؛ كلّ صورة نراها تحمل رسالة غير مباشرة: انظر، حياتي أجمل من حياتك، وهنا يقع الكثير في فخّ الإحباط، ويبدأ الشّعور بأنّ ما يملكه قليل، أو أنّ إنجازه لا يستحق الذّكر.

لكنّ الحقيقة أنّ الصّورة لا تُخبر كلّ شيء، وأنّ خلف الواجهة قد يكون إنسان مثقل بالهموم مثلنا تمامًا.


أهمية الاستماع لصوت الذّات


وسط هذا الضّجيج، علينا أن نتعلّم فنّ الإنصات لأنفسنا، أن نسأل: ماذا أريد أنا؟ ما الذي يجعلني أشعر بالرّضا، حتى لو لم يصفّق لي أحد؟

التّوازن يبدأ من الدّاخل، حين نعرف قيمتنا بعيدًا عن معايير الآخرين، نصبح أقدر على مواجهة ضغوط الحياة، ليس المطلوب أن نعزل أنفسنا عن العالم، بل أن نتعامل معه ونحن متمسكون بجذورنا الدّاخلية.


الإبداع: لغة جيل لا يستسلم


الشّباب اليوم يملكون قدرة هائلة على الإبداع، ربّما لأنّها وسيلتهم في مقاومة الرّوتين، أو لأنّهم يرفضون أن يكونوا مجرّد نسخ متشابهة، الإبداع قد يكون في كتابة، في موسيقى، في مبادرة مجتمعية، أو حتى في طريقة التّفكير، المهم أن نمنح أنفسنا حق التّجربة، الفشل ليس عيبًا، بل هو حجر أساس يبني خبرتنا، وكثير من النّجاحات العظيمة بدأت بمحاولة لم يلتفت إليها أحد.


المعنى قبل الإنجاز


الإنجاز جميل، لكنّه يفقد بريقه إن لم يحمل معنى، كم من أشخاص وصلوا إلى مناصب عالية لكنّهم شعروا بالفراغ؟ السّبب أنّهم لم يسألوا أنفسهم يومًا: لماذا أفعل ما أفعل؟

المعنى هو البوصلة التي توجه خطواتنا، أن نعمل في مجال نحبّه، أن نؤثر في من حولنا، أن نترك أثرًا صغيرًا في قلوب الآخرين، هذا ما يجعل الإنجاز أكثر من مجرد رقم أو لقب.


رسالة إلى القارئ الشاب


أيها القارئ، ربّما تقرأ هذه السّطور وأنت تشعر بثقل ما، أو بارتباك أمام الطّريق، تذكّر أن حياتك ليست سباقًا مع الآخرين، بل رحلة خاصة بك، وأنّ كلّ عثرة تحمل درسًا، وكل تجربة مؤلمة منها تضيف طبقة جديدة إلى وعيك.

لا تبحث عن نسخة مثالية منك، بل عن ذاتك الحقيقية، تلك الذّات التي تقبل ضعفك كما تحتفل بقوتك، وتحتضن فشلك كما تحتفي بنجاحك، لا تدع صور الكمال المزيّفة على الشّاشات تسرق منك سلامك الدّاخلي، يكفي أن تكون صادقًا مع نفسك، فهذا أعظم إنجاز يمكن أن تصل إليه.


خاتمة: رحلة لا تنتهي


جيلنا ليس ضحية كما يُصوّره البعض، بل هو جيل يواجه تحدّيات مختلفة ويبحث عن حلول جديدة، التّوازن بين صوت العالم وصوت الذّات ليس مهمة سهلة، لكنّه ممكن حين نبدأ بالخطوة الأهم: أن نصدق أنفسنا، ونمنحها الحق في أن تعيش بطريقتها الخاصة.

فلنمنح أنفسنا الحق في البطء، في الرّاحة، في إعادة المحاولة، فلنثق أنّ خطواتنا الصّغيرة، حين تتراكم، قادرة على أن تصنع فرقًا كبيرًا.

جيلنا ليس جيلًا ضائعًا كما يقول البعض، بل هو جيل يتعلم من أزماته، ويخلق من تحدياته مساحات جديدة للمعنى والإبداع، وإذا كان الضّجيج من حولنا لا يهدأ، فإن الصّوت الدّاخلي الذي نحمله قادر أن يكون بوصلة، يقودنا نحو غدٍ أكثر وضوحًا وإنسانية.

إننا لا نملك أن نوقف ضجيج العالم، لكنّنا نملك أن نصغي إلى نغمتنا الدّاخلية، وربّما هنا يكمن سرّ السّعادة الحقيقية.


الكاتبة: ورود نبيل محمد

الأردن

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا التقينا ،،سعد عبد الله تايه

مناجاة روح...زهور الخطيب

في محراب الحب ...سعد عبدالله تاية