العنقاء التي تنهض من الرماد قصة قصيرة بقلم: نور شاكر

 العنقاء التي تنهض من الرماد

قصة قصيرة

بقلم: نور شاكر


في أطراف الصحراء، حيث تمتدّ الرمال بلا نهاية، كانت الرياح تهمس بأغنية قديمة عن طائر لا يموت، عن مخلوقٍ يولد من رماده كلّما احترق، اسمه: العنقاء

لم يره أحد بعينه، لكن الأساطير كانت تنمو حوله كما تنمو الأشجار من قطرة ماء


في إحدى القرى القريبة من تلك الصحراء، عاش شيخ عجوز أنهكه المرض، وكان يخشى أن يذوب اسمه مع رحيله 

كان يقول: "لو عثرتُ على العنقاء لعلّها تمنحني عمراً آخر"

أما شابّ طموح، اسمه عاصم، فقد أراد أن يملك سرّها ليُكتب اسمه في سجلات الخالدين

 بينما امرأة ثكلى، تُدعى ليلى، لم تكن تبحث إلا عن بصيص رجاء يعيد إليها قلبها المكسور بعد أن فقدت ابنها


ثلاثتهم حملوا أحلامهم، وساروا نحو الصحراء، كأنّهم يسيرون نحو قدرٍ غامض

كلّما تقدّموا، ازدادت الصعاب: العطش، لهيب الشمس، والوحدة التي تجعل صدى خطواتهم يذكّرهم بضعفهم

لكن شيئاً في داخلهم كان يقودهم، كأنّ النداء صادرٌ من عمق أرواحهم


وفي ليلةٍ سكنت فيها الريح، رأوا السماء تشتعل فجأة، ومن بين اللهب ولدت العنقاء

طائر عظيم بجناحين يفوقان الغيم، ريشه يتلألأ بألوان النار، وصوته كنداءٍ يوقظ الموتى من سباتهم


اقترب منها الشيخ وهو يمدّ يديه المرتعشتين:

ــ "أعطيني عمراً آخر، أخشى أن يبتلعني النسيان."

لكن العنقاء نظرت إليه بعينين كالنار وقالت:

ــ "أيها العجوز، الخلود ليس في الجسد، بل في ما تتركه خلفك من أثر. ازرع كلمة طيبة، أو علِّم قلباً صغيراً، فذلك عمرٌ لا ينتهي."


ثم جاء عاصم، بعينين يملؤهما بريق الطموح:

ــ "أريد سرّك... أريد أن أملك قوتك، لأصير أعظم من كل البشر."

ابتسمت العنقاء بسخرية خفيفة، وردّت:

ــ "القوة ليست أن تُمسك بالنار، بل أن تنهض حين تحرقك. أنا لا أملك سراً تُسرقه، أنا درسٌ تُدركه."


أخيراً، تقدّمت ليلى، قلبها مثقل بالحزن:

ــ "لقد فقدتُ ابني، وأبحث عن أملٍ يعيدني إلى الحياة."

اقتربت العنقاء منها حتى كادت تلامسها بجناحٍ من لهب، وقالت برفق:

ــ "كلُّ فقدٍ يحرقك، لكنك تستطيعين أن تنهضي من رماده ابنك حيٌّ في ذكراكِ، في حبكِ، في كل دعوة صادقة ترفعينها للسماء."


ثم ارتفعت العنقاء إلى الأفق، تاركة خلفها شرارة صغيرة سقطت بين أيديهم

لم تكن ناراً تحرق، بل جمرة دافئة تشعل الروح

عاد الثلاثة إلى قريتهم مختلفين:

الشيخ علّم الأطفال حكاياته، عاصم بدأ يكتب أحلامه بدل مطاردة الوهم، وليلى صارت تمدّ الآخرين بالأمل كما لو أنّها تحمل قلب ابنها في قلبها


ومنذ ذلك اليوم، لم تعد العنقاء مجرد أسطورة، بل صارت رمزاً يذكرهم بأنّ من الرماد يولد النور، وأنّ الإنسان لا يُهزم ما دام قادراً على أن يبدأ من جديد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا التقينا ،،سعد عبد الله تايه

مناجاة روح...زهور الخطيب

في محراب الحب ...سعد عبدالله تاية