نُـطـِح الكبْش ...سيف الدين علوي

 نُـطـِح الكبْش 


 في المرّة التّالية، كان عليّ أن أتأكّد هل أنّ سلوك  صفوان، زاني الأغنام والبهائم، كان  مجرّد استثناءٍ  شيطانيّ عرضيّ، أم كان طبعا غريزيّا لا مِرية فيه.. و تسنّى لي بعد وقت قصير و دونما جهد مبذول، أن أدرك أنّ ذلك كان منه طبعا حيوانيّا مدسوسا في  هيكل آدميّ يُسمَّى صاحبُه إنسانا..  كمُنتُ له مرّة أخرى بحيث تكتملُ الرّؤية بثّا وتستحيل استقبالا، فأرى و أَسمع دون أن أُرى و أُسمَعُ..  وإذا بصفوان وقد اطمأنّ على خلوته وتيقّن من عزلته من غير ما رقابة،  جعل ينجز لحظته البذيئةَ التي  كان يبدو أنّه ألفها، دونما تردّد .. 

 في أثناء استغراقِ البذاءةِ وقتَها، تناولت  بعض ألواحٍ من صبّار شائكٍ مذبّب ودلّيتُها خلفه بهدوء حذر، بحيث إذا جلس بعد انهماك و إعياء، كانت مؤخّرتُه  وهي تتراخى للجلوس، مطابقةً  تماما لألواح الصبّار الشّائكة.. لم أكن أروم حينها سوى معاقبته لا غير.. رغبت بالأحرى  في أن أختبر قدرته على الألم  جزاءً  لمقترَفٍ شنيع أباحتـْه غيبوبة العقل من آثام. و  رحت أمتحن طاقته على النّدم انفعالا حيّا حرّا  يجوز أن يتيقّظ فجأة في الضمير.. لعلّ  صوت القيمة في قرارتي هو ما حثّني على أن أروّضه حتّى يقهرَ  عنفَ الشّيطان فيه، و ألّا يعود لصنيعٍ  بهيميّ شبيهٍ.. لكنّ شيئا من ذلك لم يحدث..

 ثمّ انقطعت عن متابعة المشهد. و  انسحبتُ بهدوء.. و أكملتُ  غير مكترث، طريقي في  الهضاب النقيّة بحثا عن جبال يمكن اعتلاؤها..

 عند الغد وجد ثلّةٌ من الرّعاة صفوانَ مهشّما فوق الصّخر.. كانت أشواك الصبّار في إليته مغروزة.. و عند حدود ردفه الأيمن كان ثمّة  أثر لنَطحةٍ عنيفة.. رجّح أغلبُ القوم بما في ذلك الدّوائر الأمنيّة ، أنّها السّبب في لقاء حتفه على الصّخر.. و أثبت التّشريح أنْ لا أثر لفعل إجراميّ مبيّت. 

 مات الكبْشُ صفوان عاريا موخوزا. و ربّما كان نطيحا على صخور المنحدر..  

وظلّ الرّعاة يسمعون الثّغاء عند كلّ ضحى. 

______________

سيف.د.علوي

من رواية قادمة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا التقينا ،،سعد عبد الله تايه

مناجاة روح...زهور الخطيب

في محراب الحب ...سعد عبدالله تاية