نوموفوبيا ...معز ماني

 نوموفوبيا ...

كنّا نعيش على مقاعد الطين والدفء

نخزّن الذاكرة في رائحة الخبز

كان الضوء طبيعيّا

والليل يغلق بابه كي نستريح

وكانت الحكايات تروى على ضوء فانوس

يشبه القلب حين يحبّ بلا تغطية كاملة ..

كنّا نكتب رسائلنا على ورق 

أصفر له رائحة صدق

وننتظر ساعي البريد 

كأنه نبيّ يأتي من بعيد ..

كان للانتظار طقوس

وللشوق ضوضاء قلب

لا تنبيهات هاتف

كان الحزن أنيقا

والفرح صاخبا

والأصدقاء بشرا لهم وجوه من لحم ..

ثمّ جاء الإنترنت ..

كضيف أنيق يحمل الهدايا

ففرشنا له أرض العقول وردا

ولم نعلم أنه سيزرع تحتها 

الأسلاك بدل الجذور..

أصبح البيت مجموعة شبكات

والروح كلمة مرور ..

والذاكرة مجرّد ملفّ مؤقّت 

يحذف عند الامتلاء ..

تعرّفنا على وجوه لا تنام

وأسماء بلا أجساد

وصار لكلّ حزن جمهور

ولكلّ حبّ خاصيّة المشاركة ..

صرنا نكتب عن الألم ليحصد الإعجابات

ونضحك كي نرضي الخوارزميّات

نبرمج أنفسنا على الوضع المظلم

ونسميه تأمّلا ..

كنّا نحلم أن نصل إلى العالم

فوصل العالم إلينا

لكنّه ألغى زيارتنا لأنفسنا ..

الآن نتنفّس عبر الشاشة

نعيش في قبور من الضوء السائل

ونسميها الحياة الحديثة ..

نتجادل في التعليقات أكثر 

ممّا نتحدّث في المقاهي

نشتري العواطف عبر التطبيقات

صرنا نحبّ بالصور

ونكره بالتغريدات

ونصلّي في السرّ على شكل منشور مؤجّل

صرنا نعيش في زمن

تقاس فيه الإنسانية بسرعة الإنترنت

فمن انقطعت شبكته

انقطعت علاقاته وذاكرته وربّما نفسه ..

وهكذا تاه الإنسان ..

وقال الأنترنت أطفئوني إن استطعتم ..

لقد صرت فيكم في أنفاسكم

في عيونكم حين تبحثون عن أنفسكم على جوجل ..

أنتم خارج التغطية فقط  حين تموتون ..


                                     بقلم : معز ماني . تونس .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا التقينا ،،سعد عبد الله تايه

مناجاة روح...زهور الخطيب

🌠كلمات لا كالكلمات د. نوال حمود