تـنـمّـر...معز ماني
تنمّر ...
أنا من جيل يصفّق للصفعة
إن جاءت بلباقة ..
ويعتذر للجاني كي لا يحرح الضحايا
جيل يزيّن القسوة بالورود
ويضع التهكّم تاجا على الرؤوس الفارغة ..
أنا ابن عصر ..
يضحك من الضعفاء كي لا يتّهم بالبكاء
عصر يقيس القيم بمقاس الحذاء
ويعلّق الضمير على شماعة الأضواء ..
هنا التنمّر فنّ ..
تدرّسه الجامعات على هيئة مهارة تواصل
يقال للوقاحة ثقة بالنفس
وللغلظة طاقة إيجابية
وللأذى مجرّد مزاح ثقيل ..
في هذا الكوكب الأنيق
يقاس الإنسان بماركة حذائه
هل هو من بلد شرقيّ أم غربيّ
حتى الرحمة ترى بعدسات بيضاء
تمنح لمن يشبهنا
وتسحب من كلّ من ليس على صورتنا
فهي ليست قضيّتنا ..
أطفال يرمى بهم في فم السخرية
يخرجون رجالا بلا ظلّ
يمشون بخوف من ضحكة
ويغفون على كوابيس كلمة قيلت عرضا
لكنها انغرست كالسيف في أرواحهم ..
يا أيّها المتنمّر اللطيف
الذي يبتسم وهو يطعن بابتسامة عصرية
هل تعلم أنّ ضحكتك ..
تزرع في قلب طفل كجرح مزمن
قد يصل به إلى التوحّد أو الإنتحار
وأنّ دمعته التي تسخر منها
هي صلاة لم يستجب لها بعد ..
تنمّر ..
فالعالم يصفّق للجلّاد إذا ارتدى بدلة رسمية
ويضحك للقاتل إذا كتب منشورا إنسانيا
ويسمي السخرية فنّا ناقدا
ويسمي الجريمة وجهة نظر..
أما الضحية ..
فهي مطالبة بالابتسام احتراما للذوق العام
وبالصمت حفاظا على سلامة المحتوى
وبالنسيان لأنّ الحياة تستمرّ
تنمّر كما تشاء ..
فالعالم يحبّ المنتصر ولو كان شيطانا
ويبغض المكسور ولو كان نبيّا ..
أماّ أنا سأضحك معكم
كي لا أرمى خارج القطيع
سأتنمّر على نفسي
حتى لا يسبقني أحد إلى إذلالي ...
بقلم : معز ماني . تونس .
تعليقات
إرسال تعليق