متى يدرك الإنسان قيمته؟أ. ورود نبيل

 متى يدرك الإنسان قيمته؟


القيمة ليست شيئًا يُمنح من الخارج، بل هي شعور يتجذّر في أعماق الإنسان، فالكثيرون يظنون أن قيمتهم تقاس بما يقوله الآخرون عنهم: بمدى الإعجاب الذي يحصدونه، أو المكانة التي ينالونها، أو الإنجازات التي تُصفّق لها الجموع، لكن الحقيقة أن هذه النظرة تجعل قيمة الإنسان رهينةً لتقلبات المزاج البشري، تُرفع يومًا وتهبط في اليوم التالي.


الإنسان يبدأ في إدراك قيمته الحقيقية حين يكتشف نفسه بعيدًا عن مقاييس المقارنة والقياس، حين يسأل: "ماذا أضيف للحياة بما أنا عليه؟" وليس: "ماذا يظن الناس أنني أضيف؟. 

فالقيمة تولد من الداخل؛ من صلابة الموقف، من صدق الكلمة، من أثر العمل حتى لو كان صغيرًا لا يلحظه أحد.


مع ذلك، لا يمكن إنكار أن الآخرين يمثلون مرآةً تعكس ما قد يخفى علينا، فالثناء قد يوقظ فينا وعيًا بقدرات لم ندركها، والنقد قد ينبهنا إلى مواطن ضعف غفلنا عنها، لكن هذه المرآة لا ينبغي أن تتحول إلى السجن الذي نحيا داخله؛ فالاعتماد المطلق على حكم الآخرين يجعلنا نعيش وفق توقعاتهم، ونفقد حقيقتنا الخاصة.


القيمة الحقيقية إذن تتشكل عند لحظة التوازن: حين نكون قادرين على الإنصات إلى أصوات الآخرين دون أن نضيع في ضجيجهم، وعلى الإنصات إلى ذواتنا دون أن ننغلق عن العالم، فالقيمة ليست ما يقال عنك، وليست ما تتخيله عن نفسك فقط؛ بل هي انسجام الاثنين في صورةٍ تمنحك سلامًا داخليًا، وثباتًا أمام تقلبات الحياة.


إدراك الإنسان لقيمته هو إدراكه أنه ليس نسخة مكررة من أحد، وأن وجوده في هذا العالم ليس عبثًا. كل نفسٍ يتنفسه، وكل أثرٍ يتركه – مهما كان بسيطًا – يضيف معنى إلى نسيج الحياة. حين يصل لهذه القناعة، لن يحتاج إلى شهادة من الآخرين ليعرف أنه ذو قيمة، بل سيحياها في صمته، في عمله، وفي ذاته التي لا تشبه أحدًا


يدرك الإنسان قيمته حين يتجاوز مرآة الآخرين، وحين يكفّ عن البحث عن انعكاسه في أعينهم ليعود إلى صوته الداخلي.

القيمة الحقيقية لا تُستعار من مديحٍ أو تصفيق، ولا تُلغى بذمٍّ أو جفاء؛ إنها تتكوّن من وعي المرء بفرادته، ومن انسجامه مع ما يملك من مواهب، وما يتركه من أثر صادق في الحياة.


لكن لا يمكن إنكار أن الناس مرآة تكشف أحيانًا ما يخفى عنّا؛ فالتقدير أو النقد قد يفتحان وعينا على جوانب لم نلتفت إليها، ومع ذلك، يبقى خطر الاعتماد المطلق على أحكام الآخرين هو أن تتحول قيمتنا إلى سلعة تتغير بسعر السوق.


إدراك الإنسان لقيمته يحدث حين يجمع بين الاثنين: أن يستمع لصدى ذاته بصدق، ويستفيد من أصوات الآخرين دون أن يستعبد نفسه لها. عندها فقط تصبح قيمته ثابتة، لأنها لم تعد مرهونة بالتصفيق ولا بالرفض، بل متجذرة في كينونته.


الكاتبة: ورود نبيل محمد

الأردن

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا التقينا ،،سعد عبد الله تايه

مناجاة روح...زهور الخطيب

في محراب الحب ...سعد عبدالله تاية