الجهل: عتمة العقل وظلّ النّفس...أ. ورود نبيل

 الجهل: عتمة العقل وظلّ النّفس

الجهل ليس مجرّد غيابٍ للمعرفة، بل حالة وجودية تنمو في فراغ الوعي وتزدهر حين يغيب السؤال. 

إنّه ليس فقط أن "لا نعرف"، بل أن "نرفض أن نعرف"، أو نكتفي بما لدينا كأنّ الحقيقة خُتمت، والعالم لم يعد يتغيّر.


الجهل كاختيار


ربّما يولد الإنسان جاهلًا، لكنّه لا يُجبر على البقاء كذلك، المعرفة طريق، والجهل خيار، كثيرون لا ينقصهم الذّكاء، بل الإرادة،  الجهل ليس دائمًا قيدًا خارجيًا تفرضه الظّروف، بل قد يكون قيدًا داخليًا يصنعه الكسل، الغرور، أو الخوف من الانكشاف. الجهل المريح أسهل من الحقيقة المؤلمة، ولهذا نتمسك أحيانًا بما نعرف، لا لأنّه صحيح، بل لأنّه مألوف.


أقنعة الجهل


الجهل لا يظهر دائمًا في شكل فراغ، بل كثيرًا ما يتنكر في هيئة ثقة زائفة، أو يقين مطلق، أو استعلاء على الآخرين. 

الجاهل لا يعرف، ومع ذلك يتكلّم كأنّه يملك مفاتيح العالم. 

الأخطر من الجهل ذاته، هو الجهل المتبجّح، الذي لا يعترف بحدوده، ويصمّ أذنيه عن النّقد، ويكابر حين يُخطئ.


الجهل كأداة للهيمنة


في مجتمعات كثيرة، لا يُحارب الجهل، بل يُصنَع ويُزرَع ويُروَّج له، الأنظمة التي تخاف من وعي شعوبها، تسعى لإبقاء النّاس في دوائر مغلقة من التّلقين، وتخويفهم من السّؤال، وتجريم الفكر الحر، 

الجهل يصبح في هذه الحالة وسيلة لضبط الجماهير، وإعادة إنتاج الطّاعة جيلاً بعد جيل.


الجهل والعلاقات الإنسانية


على مستوى الأفراد، يُنتج الجهل أحكامًا سريعة، وتصورات مشوّهة، ونفورًا من الاختلاف. 

الجهل لا يفهم الآخر، بل يحوّله إلى تهديد، ولهذا يتسبّب الجهل في صراعات لا ضرورة لها، ويؤسس لجدران من العداء بدل جسور التّفاهم. 

إنّنا نجرح من نجهل، ونخاف من نجهل، ونكرهه أحيانًا، فقط لأنّنا لم نقترب يومًا منه كإنسان.


الشّفاء من الجهل


الوعي يبدأ بالسّؤال، حين نسأل، نعترف ضمنيًا أنّنا لا نعرف، وهذه فضيلة، من لا يسأل، لا يتغير. والمعرفة لا تعني تراكم المعلومات، بل تعني تغيير النّظرة، إعادة التّفكير، وامتلاك الجرأة على مراجعة الذّات. 

الشّفاء من الجهل ليس رحلةً قصيرة، لكنّه ممكن، يبدأ من لحظة شكّ صادقة، أو لحظة صمت أمام الحقيقة.


في الختام: 

الجهل ليس فقط عيبًا فكريًا، بل عائق وجودي،

 هو الجدار الأول الذي يجب أن نهدمه إن أردنا أن نعيش حياة حرة، واعية، إنسانية. 

إنّ النّور لا يطرد الظّلمة بالضّجيج، بل بالاتّقاد،

 وكلّ سؤال صغير صادق، هو شمعة تُشعل في وجه الجهل الكبير.


الكاتبة: ورود نبيل- الأردن


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا التقينا ،،سعد عبد الله تايه

مناجاة روح...زهور الخطيب

في محراب الحب ...سعد عبدالله تاية