الأموات ينامون مبكرًا لرؤية أحبائهم...بقلم لطيفة يونس

 الأموات ينامون مبكرًا لرؤية أحبائهم


في ذلك الصمت الذي يتسرب بين ثنايا الليل، يتنفس الموت كما يتنفس البحر. 

أعمق من الأعماق، أبعد من السماء، حيث لا توجد حدود للأحلام ولا نهاية للألم. 

ربما كان الأموات لا ينامون، بل يسافرون. 

يذهبون إلى أماكن بعيدة، إلى زوايا من الزمن لا يصلها الضوء، حيث الأرواح لا تقوى على الزمان ولا المكان. 

هناك، حيث النسيان يغطّي كل شيء، يرون وجوه من رحلوا، تتلامس أرواحهم في هدوء يشبه الليل.


قبل أن يذهبوا، كانوا يعيشون حياتهم كأي أحد، يُشعلون الضوء في العتمة، يُسابقون الزمن، يضحكون ويبكون. 

كانت الحياة تتدفق بينهم مثل مياه الأنهار، تسير بلا توقف نحو مصيرها. 

كانوا يظنون أن كل شيء سيستمر إلى الأبد، لكنهم أخطؤوا. 

فالموت، حين يأتي، لا يتأنى ولا يؤجل. 

هو ذاك النور البعيد الذي يظهر فجأة في الأفق، ليأخذهم إلى مكانٍ آخر حيث لا وقت ولا مواعيد. 

في عالم الموت، لا يوجد صباح ولا مساء، لكن لحظات اللقاء هي ما تدفع الأرواح للانتظار في صمت.


هل تعتقد أن الأموات لا ينتظرون؟ ربما هم فقط ينامون، لكن نومهم ليس كبقية النوم. 

هو لقاءات مؤجلة مع من يحبون، لقاءات لا تحتاج إلى كلمات، لا تحتاج إلى وقت. هناك في عالمهم، لا يوجد ألم ولا غربة، فقط حضن دفء مفقود.


بينما نحن نعيش، نركض وراء الأشياء، نبحث عن مغامرات جديدة، نشعر بالأمل يملأ قلبنا ونحن ننتظر فجرًا جديدًا. 

لكننا ننسى أن الحياة مثل بحر هائج، لا نعلم متى ستهدأ أمواجه، ولا كيف ستنتهي رحلتنا. 

حين يأتي الموت، لن يكون لدينا سوى الذاكرة، وذاكرة الأموات في عالمهم هي مرآة حبهم. 

ينامون مبكرًا، ليحلموا بلقاء من رحلوا، ليُكملوا الحكاية التي لم تنتهِ بعد. 

ليس هناك وداع في عالم الموت، بل هناك فقط لقاءات لا نهائية مع من أحبوا.


حين يحين وقتنا، سنعلم أن الموت ليس النهاية، بل بداية قصة جديدة. 

قد نغادر هذه الدنيا، لكننا سنظل نبحث عن تلك الوجوه المألوفة، في ظلال الليل، وفي عمق البحر، حيث ينام الأموات مبكرًا، ليحلموا بالذين أحبوا، وليروا من كانوا يوماً معهم، في رحلة لا تنتهي.

✍️...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا التقينا ،،سعد عبد الله تايه

🌠كلمات لا كالكلمات د. نوال حمود

(( وعود وأشتياق حنين وأغترآب))...ياسر الشابورى