في المطار ...معز ماني

 في المطار ...

في المطار .. حيث يتدلّى الزمن

من السقف كجرس معطوب

يقرع بلا إيقاع 

ويتذكّر الإنسان فجأة

أن طريقه إلى أيّ مكان

يمرّ دائما من حقل مليء بالانتظار

ومن خوف يتنكر في زيّ موظّف يسألك

إلى أين .. ولماذا ؟ ..

هنا .. تبدو الحياة 

نسخة تجريبية من القدر ..

كلّ شيء فيها معلّق

الرحلات .. الوجوه .. الأحلام

وأنت قطعة غبار ..

 تتجوّل بين بوّابات

لا تنتمي لأيّ جهة محدّدة

وكأن الوجود نفسه

يريد أن يراك متردّدا دائما ..

في المطار ..

تقوم الفلسفة من نومها

تجلس على الكرسيّ المجاور

وتضع ساقا على ساق

ثم تضحك ضحكة طويلة

وتهمس لك .. أترى ؟

هكذا أنت دائما

تحلم بالوصول ..

وتنسى أن كل الوصول

هو مجرد محطة للرحيل التالي ..

وتبدأ الحقائب في الدوران

كأنها أفكار لم تحسم ..

تجري في حلقة لا تنتهي 

تعود إلى النقطة نفسها 

لتسخر من يقينك

ومن ظنّك أنك قادر على الإمساك بشيء ..

وفي هذا المكان

يحصل أعمق دروس الوجود

أن الإنسان الذي ينتظر طائرة

هو نفسه الإنسان الذي ينتظر معنى ..

ونفسه الذي ينتظر عزاء

ونفسه الذي ينتظر انتهاء شيء

لا يعرف ما هو ..

ويقسم بسذاجة رفيعة

أن الإقلاع سيصلحه ..

حتى الطائرات

حين تحلّق فوق النوافذ

بدت لي ككائنات نافذة الصبر ..

هربت من ثقل الأرض

بعد أن ضاقت

بكثرة الركّاب 

وكثرة الأسئلة ..

وحين ينادى على رحلتك أخيرا

تسير نحو البوابة

وقد فهمت أن السفر

ليس انتقالا من مكان إلى آخر ..

بل خروج مؤقت

من نفسك القديمة

وأن المطار ليس نقطة عبور ..

بل تجسيد كامل لحقيقة واحدة

أنّ الإنسان كائن ينتظر دائما

يسخر دائما

ويرحل دائما

من دون أن يعرف

هل كان الوجود

رحلة ..  أم مجرد غرفة انتظار ...


                                            بقلم : معز ماني . تونس .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا التقينا ،،سعد عبد الله تايه

🌠كلمات لا كالكلمات د. نوال حمود

(( وعود وأشتياق حنين وأغترآب))...ياسر الشابورى