قصة قصيرة "رحلة في نفق الغياب" بقلم: نور شاكر
قصة قصيرة
"رحلة في نفق الغياب"
بقلم: نور شاكر
في ليلٍ غريب، وجدت نور نفسها في جامعة لا تشبه الجامعة وجوه كثيرة تدور من حولها، أصوات تتزاحم، لكن قلبها ظلّ وحيدًا
لم تكن تبحث عن مقعد، بل عن روح واحدة تسندها
سمعت من خلفها همسًا جارحًا:
"انظروا... مكسورة الجناح، لا صديقات لها"
لم تلتفت، فقد عرفت أن الهمسات ليست سوى صدى خوفها، وأن العيون التي تحاصرها ليست إلا مرايا تفضح جرحها
واصلت السير، والطرقات تضيق ثم تتسع، كأنها تدفعها نحو امتحان لا يُكتب على ورق
أمامها وجوه تتحداها بالصمت، وأخرى تضحك عليها بالعيون
وفي قلبها اسمٌ يتردّد كأذان:
حامد، لم يكن شخصًا بعينه، بل رمزًا للأمان، وعدًا بالوصل
نادته، فجاءها صوته متقطعًا، كأنما عبر مسافة بعيدة بين الأرض والسماء
وحين انقطعت الكلمات، ارتسم البستان أمامها: نخيل يعلو إلى الغيم، أشجار مثقلة بالثمر، وناس يفلحون الأرض كأنهم يفلحون أرواحهم
أدركت أنّها دخلت أرض الخيال، لا أرض الحقيقة
ثم وجدت نفسها تركض على أدراج زجاجية ضيقة تارة، واسعة أخرى
كلما صعدت زلت قدمها، وكلما أمسكت بقبضة النجاة، شعرت أنّ سقوطها أقرب من وصولها والمطر ينهمر، يغسل الطرقات ويكشف عري الخوف
دخلت النفق المظلم، لا يُرى فيه نور، ولا يُسمع فيه سوى خفقان القلب
رددت "آية الكرسي"، لا لتطرد وحشًا ظاهرًا، بل لتوقظ يقينًا خفيًا
وعند نهاية النفق، لم تجد إلا نساءً بعباءات سود، بعضهن في طريق إلى الإمام العسكري، وبعضهن نحو الأمام الكاظم (عليهما السلام)
لم يركضن، لم يصرخن، بل مشين بخطى ثابتة، كأنهن يعرفن أن الطريق هو الطريق، مهما كان مظلمًا أو موحشًا
اقتربت من باب مغلق، والنساء عاجزات مدت يديها ففُتح الباب التفتن إليها بالدعاء:
"بارك الله بكِ"
عندها أدركت أن الفتح لم يكن بيدها، بل بصدق حاجتها وصفاء سريرتها
واصلت الرحلة تركض، لا تدري إن كانت تهرب من الوحدة، أم تبحث عن اللقاء
حتى إذا أرهقها الركض، رفعت رأسها وسط المطر، فرأت على الضفة الأخرى من الطريق حامد
كان واقفًا بوجه مطمئن، يمد يده نحوها
لم يقل شيئًا، لكن ملامحه كانت جوابًا على كل سؤال
عندها توقفت عن الركض، وشعرت أنّ النفق انتهى، وأن الغياب لم يكن سوى جسر إلى اللقاء.
تعليقات
إرسال تعليق