لعنة الوعي...أ. ورود نبيل
لعنة الوعي
الوعي هو أعظم ما مُنح للإنسان، وهو أيضًا أثقل ما حُمِّل به، إنّه تلك القدرة على أن ترى نفسك وأفكارك من الخارج، أن تسأل "لماذا؟" حتى في أكثر اللحظات بساطة، وأن تشعر بما وراء الأشياء، بما لا يُرى ولا يُقال، غير أن هذه الهبة التي ميّزت الإنسان عن سائر الكائنات، تتحول أحيانًا إلى عبء ينهش الطمأنينة ويزرع القلق في الأعماق، حتى يُخيَّل إلينا أن الوعي، في بعض وجوهه، لعنة أكثر منه نعمة.
تبدأ لعنة الوعي حين نُدرك أن كل شيء فانٍ، وأن ما نحبه مؤقت، وأننا نسير نحو نهاية محتومة لا نملك أن نغيرها، فبينما يعيش الحيوان اللحظة دون تفكير، يظل الإنسان أسيرًا لوعيه، يفكر في الغد، ويخاف الماضي، ويقلق على ما لا يمكنه التحكم به، إنه يرى هشاشة العالم، هشاشته هو، ويعجز عن التعايش مع هذا الإدراك دون ألم.
ثم تتعمق اللعنة حين يزداد وعي الإنسان بنفسه، فيكتشف تناقضاته، ضعفه، زيف بعض قناعاته، وأقنعة الآخرين، يصبح العالم أمامه أكثر وضوحًا، لكنه أيضًا أكثر قسوة، فكل وعيٍ جديدٍ يفتح بابًا للسؤال، وكل سؤالٍ يولّد شكًّا جديدًا، حتى يجد الإنسان نفسه عالقًا في دوامة من التفكير لا راحة فيها.
ومع ذلك، لا يمكن للإنسان أن يتخلى عن وعيه، إنه ما يصنع إنسانيته، وما يمنحه القدرة على الإبداع والحب والمعنى، لكن إدراكه هذا هو ذاته ما يجعله يعاني. فالوعي، مثل النار، يمنح الدفء لمن يعرف كيف يستخدمه، ويحرق من يقترب منه أكثر مما يحتمل.
في النهاية، لعنة الوعي ليست في الوعي نفسه، بل في عجزنا عن التصالح معه، حين نتعلم كيف نحيا بسلام مع ما نعرفه، كيف نحتضن الأسئلة دون أن نغرق فيها، عندها فقط تتحول اللعنة إلى بصيرة، والألم إلى حكمة، والوعي إلى نورٍ لا يحرق، بل يضيء الطريق.
الكاتبة: ورود نبيل
الأردن
تعليقات
إرسال تعليق