نَفَسٌ أَخِيرٌ // بقلم الطيبي صابر
**نَفَسٌ أَخِيرٌ…**
في آخرِ اللَّيلِ
ألتقطُ نَفسي كمن يلتقطُ
ظلَّهُ من على حافَّةِ السَّراب
أُشْعِلُ لِلماءِ شهيقًا
ولِلنَّارِ زَفيرًا
وأُسْكِتُ بُكَائي
في كأسٍ ليسَ لي…
ولا يبكي مَعِي أحد..
أُرَدِّدُ أدعيةً
تسرَّبتْ من جُبَّةِ مجنون
طاعنٍ في الحُب
يقرأُ النَّجاةَ بلُغَةٍ
لا يَفْهَمُها سِواه
ويُقْنِعُ قلبَهُ
أنَّ اللهَ يُحبُّ العَرَّافينَ
المكسورينَ
على أعتابِ المدنِ الباهتة..
أُسْقِطُ ذاكرتي في العتمة
أستدعي خرَافاتِ المدينة
ضحكاتُ الفقراءِ
وهي تَجرُّ الليلَ من ذَيْلِهِ
خطواتُ أُمِّي
وهي تُوقظُ شمسَ البيت
تنفضُ عن السّجادِ
غُبارَ الدُّنيا
وتُرَتِّلُ حُزنَها
على مصابيح
أطفأها الرَّحيل..
يا صديقةَ القصيد
هل كان الوفاءُ خطيئتنا؟
أم كان الخُذلانُ
قَدَرًا مَكْتوبًا
على جبين كلِّ عاشقٍ
تعثَّرَ في نُجُومه؟
وكلاهما وَجْهانِ
لِكِذْبةٍ اسمُها الحياة..
أذكرُ الغُرباءَ
حين حملوا حُلْمِي
في جيوبهم
وأذكرُ ضحكَ الضِّباع
وهي تقتسمُ رسائلَ قلبي
وأذكرُ مراهقتي
وهي تتعكّزُ
على أغاني العذارى
خَلْفَ بابِ الرَّحى
وأنينِ الطَّاحونَات...
تَنْهَمِرُ السُّنونُ منّي
كما يَنْهَمِرُ المطرُ
وسطَ بَيْتٍ نَسِيَ
شكلَ البخور
وصوتَ الزغاريد...
حتى جارتِي الخجولَةُ
ما زَالَتْ ترشُّ الماءَ خلفي
كأنها تُريدُ أنْ أعودَ
ذلك الطِّفْلَ
الذي يخبّئ في جُيُوبه
حلوى الضَّحِكِ
الذي لا يَنْتَهِي..
وفي آخرِ الليل…
قبل أن ينامَ القمرُ
وتغفو المدينة
أُغَنِّي
وأحلم
وكأنَّ جناحيَّ
لَمْ يُكْسَرَا يومًا.
**بقلم الطيبي صابر**
تعليقات
إرسال تعليق