موت الأجزاء..بقلم ✍️ لطيفة يونس

 موت الأجزاء


الموت، ليس لحظة واحدة، بل هو رحلة طويلة تتسرب فيها الأيام، قطعةً قطعة، من روحنا. نحن لا نموت دفعة واحدة، كما يظن البعض، بل نحن نعيش موتًا متقطعًا، يتسلل إلينا برفق ليأخذ منا جزءًا بعد آخر. يرحل الصديق فيترك في القلب فجوة لا تملؤها الأيام، وكأن جزءًا من الروح قد اختفى إلى الأبد. ثم يأتي الحبيب، ليأخذ معه جزءًا آخر من الأمل، وجزءًا من تلك الحكايات التي كنا ننسجها معًا في ليالي الشتاء. كلما رحل أحدهم، نغرق أكثر في صمت قاتل، وكأننا ندفن أنفسنا شيئًا فشيئًا.

ثم يأتي حلمٌ آخر ليذبل، ليترك لنا جرحًا آخر، ليس على الجلد، بل في أعماق القلب، جرحًا لا يراه أحد سوى من خاض معركته. 

وعندما يُسحق الحلم تحت وطأة الواقع، نشعر وكأننا نعيش موتًا جديدًا. كل حلمٍ رحل، وكل أملٍ تبخر، يأخذ معه جزءًا من الحياة، تاركًا وراءه شعورًا بأننا أصبحنا أقل، وأقل، إلى أن نصل إلى تلك اللحظة التي نكتشف فيها أننا قد فقدنا أنفسنا في الزمان والمكان.

ثم يأتي الموت الأكبر، الذي لا يأتي مفاجئًا، بل يأتي وقد أخذ كل شيء. 

وعندما يرفع الموت ما تبقى من أنفاسنا، يجد نفسه أمام جثة مكونة من أجزاء ميتة، مجزأة عبر سنوات من الخسائر الصغيرة. 

حينها، يكون قد أتم مهمته: لم يعد هناك شيء ليأخذه.

ولكن، ما يظل حياً فينا هو تلك الأجزاء التي لا يمكن أن يموتها الزمن: الذكريات، والأحاسيس، والأثر الذي تركه كل من مروا في حياتنا. 

هؤلاء الذين رحلوا، هم أرواح لا تموت أبدًا. 

إنهم الأجزاء التي لا يمكن أن تُمحيها أي خسارة.

✍️....

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا التقينا ،،سعد عبد الله تايه

🌠كلمات لا كالكلمات د. نوال حمود

(( وعود وأشتياق حنين وأغترآب))...ياسر الشابورى