العلم الذي لا يلامس الروح،لا يثمر ..الزهرة العناق
.. العلم الذي لا يلامس الروح،لا يثمر ..
نقف كل صباح أمام جيل ينتظر منا أن نفتح له نوافذ الحياة. نحمل كتبًا مثقلة بالقواعد، ونسطر على السبورة علامات الإعراب، نراجع التحويل بين الأزمنة ونعيد ترتيب الجمل وكأننا نرتب العالم كله. لكننا وسط هذا الازدحام من الدروس، نتساءل بصوتٍ لا يسمعه أحد:
ما قيمة أن ألقن ذاك التلميذ درسًا لا يراه يتجسد في تفاصيل يومه؟
ما قيمة النحو والصرف، إن كان عاجزًا عن صرف نفسه عن مواطن الضعف؟
وما قيمة الإعراب، إن ظل غير قادر على إعراب مشاعره حين تختنق الكلمات في صدره؟
إن الطالب الذي يتقن إكمال الجملة، ينبغي أن يتعلم أيضًا كيف يكمل حياته بثقة.
والذي يحفظ أبواب المعرفة، يجب أن يحفظ كذلك أبواب قلبه من اليأس والإحباط.
نعلمه التحويل بين الأزمنة، ولكن الأسمى أن نعلمه كيف يحول الأزمات إلى فرص، والشقاء إلى سعادة، والسقوط إلى بداية جديدة.
لسنا هنا لنصنع حافظي نصوص، بل صانعي حياة.
لسنا هنا لنخرج عقولًا تحفظ الكثير وتفهم القليل، بل لننشئ إنسانًا قادرًا على أن يفكر، ويناقش، ويعبر عن رأيه دون خوف.
العلم الذي لا يغير صاحبه، علم ناقص، ولو امتلأت به الدفاتر.
إنني حين أرى تلميذًا ينهض بعد عثرة، أجد في ذلك انتصارًا أكبر من كل علامات الامتحان.
وحين أسمع تلميذة تدافع عن رأيها بأدب وشجاعة، أشعر أن القواعد تحولت إلى روح تنبض.
وحين أرى طالبًا يواسي صديقه بكلمة طيبة، أعلم أن البلاغة صارت سلوكًا وليس درسًا عابرًا.
رسالتنا أن نعلم أبناءنا كيف يكونون أقوياء وليس متغطرسين، لطفاء وليس ضعفاء، ناطقين بالحكمة وليس مجرد متحدثين. أن نربي فيهم قلبًا يعرف الحب، وعقلًا يعرف الفرق بين الخطأ والتجربة، وروحًا تعرف أن النهوض بعد السقوط فضيلة لا ينالها إلا الشجعان.
سيكبر هؤلاء التلاميذ يومًا، وسينسون كثيرًا مما كتبناه على السبورة، لكنهم لن ينسوا كلمة منحتهم الأمل، أو موقفًا أعاد إليهم الثقة، أو درسًا جعلهم يرون الحياة بمنظار أجمل. وهذا هو العلم الحقيقي، العلم الذي لا يمكث في الأوراق، بل يمكث في حياة إنسان.
بقلمي
.... الزهرة العناق ....
04/12/2025
تعليقات
إرسال تعليق