(رحيلٌ)...✍️ بقلم : عمر أحمد العلوش
(رحيلٌ)
من خرج من حياتك قد يكون أخذ شيئاً منها ، لكنّه قطعاً ما خلّف فراغاً ، بل فتح نافذةً يتنفّس منها قلبك أخيراً .
لا داعي للكره ، ذلك أنّ الكره يستنزف الجمال فيك . بعضهم صرفهم الله عنك ، لا لأنّهم كانوا أشراراً ، بل لأنّك كنتَ الخير الذي لم يُحسنوا أن يُجاوروه .
كم مرّةً نورَ صدرك منحته لتنير عتمتهم ، وكم مرّةً زرعتَ في أرضٍ بورٍ ، وسقيتَ جذورهم من وجدانك . أعطيتَ ، وتنازلتَ ، ثمّ حين تعبتَ للحظةٍ ، تهاوت في ظهرك كلّ الطعنات دفعةً واحدةً .
ما كان ذلك لأنّك ضعيفٌ ، بل لأنّك كنتَ أصدقَ منهم ، أنقى من حساباتهم ، أرحب من ضيقهم . بعضهم لم يعرف كيف يعيش في الضوء ، فكان كلّ نقاءٍ فيك يُربك عتمتهم ، وكلّ صمتٍ منك يفضح صخبهم ، وكلّ وفاءٍ تُبديه يوقظ فيهم الندم الذي لم يجرؤوا على الاعتراف به .
وتمرّ الأيام ، وتفهم فجأةً أنّ صرفهم عنك لم يكن خسارةً ، بل نجاةً . لم يكن إهانةً ، بل صوناً من الخدوش التي لا تُرى ، ومن الخيبات التي تأتي على هيئة ألفِ ابتسامةٍ مزيفةٍ .
الله أخرجهم ، وفتح لك باباً ما كنتَ لتراه وأنت غارقٌ في المنح . أغلق باباً ، لا لأنّك لستَ أهلاً له ، بل لأنّك أوسع من أن تُحبس في ضيقهم ، وأنقى من أن تتورّط في حكاياتهم المُعلّبة .
لم يكونوا شياطين ، ولم تكن ملاكاً ، لكنّ القلوب لا تُقاس بالحياد بل بالصدق . وأنت كنتَ تصدق أكثر ممّا ينبغي .
فلا تُغيّر قلبك ، ولا تُدنّس نقاءك بدعوى النضج ، ولا تخلع طيبتك كما يخلعون أقنعتهم . فقط اشكر الله أنّه أنقذك منهم ، دون أن ترفع صوتك ، دون أن تثأر ، دون أن تُصبح نسخةً مكسورةً منهم .
أنت لا تخسر حين يرحلون ، بل تنجو . وفي النجاة بعضُ الرحمة ، وبعضُ الفضل . وكم مرّةً دعوتَ :
اللهمّ اهدِ لي قلبي ، واحفظه ، من كلّ من لا يحفظه .
✍️ بقلمي : عمر أحمد العلوش
تعليقات
إرسال تعليق