(عذاب الوجدان)✍️ بقلم: عمر أحمد العلوش
(عذاب الوجدان)
الوجدان هو ذلك الكيان المعنوي المفعم بالجمال ، الراسخ في ذواتنا ، في أعماقنا ، الساعي نحو الخير والحق ، والمُشاد على أسس راسخة من القيم والمُثل السامية .
هذا الوجدان الجميل قد يضع صاحبه تحت وطأة عذابات تمزقه تمزيقاً ، فيصبح صاحب الوجدان كطفلٍ أبكم بريء يُعذَّب ولا يستطيع الاستغاثة .
يظهر هذا العذاب وكأنه أخرس خفيٌّ وطفيفاً ، لكنه يتفاقم شيئاً فشيئاً ، ليأخذ بتلابيب صاحبه ويستولي على النفس رويداً رويداً . يتمكن الألم والعذاب فلا يزول ولا يهدأ ، فيضطرم ناراً جحيماً بين الضلوع ، حتى يعطب الجسد ويتلف الأعضاء .
ومن هذه العذابات ، وأهمها ، عذاب وألم الحنين ، الذي يتجلى عند البعد عن الأعزاء . هذا الألم والعذاب يحدث عندما يُخلق تصور بأن المستقبل بعدهم أصبح مغلقاً وغامضاً ، وهو ما يحز في النفس ويشعرها بفقدان الأمل والأمان . يخلق هذا انحطاطاً وانطواءً قد يؤديان إلى تفكك الشخصية وضياع توازنها .
وقد يتفاقم ذلك الألم إذا ما قام الوجدان بدوره قاضياً وحاكماً على صاحبه ، وقضى بالتقصير تجاه الآخر ، وأكد أنه لم يقم تجاه هذا الآخر بالواجبات والالتزامات الأخلاقية المقدسة . فيمزق الوجدان صاحبه تمزيقاً ، ويدخله في كآبة وألم واختناق ويأس وقنوط .
عندما يدخل الوجدان هذه المرحلة ، يكون العذاب قد أخذ من صاحبه مأخذه ، فيغدو الضمير جحيماً ، وتظهر بعض الحالات باللوم والتأنيب . يزداد اللوم حتى يتخيل الإنسان أنه أخطأ في واجباته وقصَّر في أدائها ، ليغمره الحزن والألم إلى الأبد ، فلا طمأنينة ولا أمل .
وما أن يهدأ هذا العذاب حتى يعود وتندلع نيرانه من جديد ، ليهيج الوجدان مستعراً ، ويتعاظم الشعور بالإثم والتقصير والخطيئة ، وهكذا بلا هوادة ولا نهاية .
هنا لا بد لنا من الإشارة إلى حالة وجدانية فريدة ، وهي في حال كانت الذات والنفس مندمجتين ومضمحلَّتين بالوجدان قبل عذابه اندماجاً كلياً . هنا تتلذذ الذات والنفس بعذابات الوجدان لها ، وفي الوقت نفسه ، وعندما يرى الوجدان ما آلت إليه النفس من عذابات ، يدخل الوجدان في حالة التبكية على النفس ، ليصبح وجداناً دامياً قد يقتله العذاب .
ختاماً ، هناك من لا يشعر بكل ذلك ، رغم أنه ليس في غيبوبة ولا نوم ولا موت . فسَلامٌ على هكذا دنيا وأهلها .
✍️ بقلمي: عمر أحمد العلوش
تعليقات
إرسال تعليق