قراءة أدبية لقصة ( بديعة) القصيرة جدا للأديب والكاتب المغربي / مصباح الصديق
بقلم / نجيب صالح طه (أمير البؤساء)*
أولا : النص
بَدِيعَةٌ
بَعْدَ أَرْبَعِينِيَّةِ أَبيها جَاشَتْ مَرَاجِلي، صِحْتُ فِيها:
- مَالَكِ؟! المَحَطَّاتُ للْمُرور وليست لِلْإِقامة.
عَبَرَتْ...
أَزالَتْ نِطاقَها وَتَخَشَّبَتْ!.
----------------------------------------------
ثانيا: الجو العام للنص.
قصة قصيرة جدا، فازت بالمركز الثالث عربيا في المسابقة الدورية التاسعة التي أقامتها الرابطة السورية للقصة القصيرة جدا، ومن بين (73)، متسابق عربي.
ومن خلال النص، نستطيع أن نعرف شيئا عن الكاتب، وأنه لغوي، وعلى صلة بالروحانيات الصوفية والفقهية، أيضا، والكاتب أحد أعضاء الرابطة السورية وفيها ومن خلالها عرفته وعرفه الكثير بسيماء الخلق، وسمت الهدوء والوقار، حتى وإن جاشت مراجله في بديعته، بعد أربعين يوما من وفاة والد شخصية قصته ( الزوجة)، والتي توقف شعورها، أو تناست واجباتها ومسؤولياتها تجاه زوجها،مما جعله يصيح فيها، مطالبا باستئناف حياته، وبلغة سهلة استخدام فيها الكاتب بعضا من جوانب ثقافته اللغوية.
ثالثا: القراءة.
بديعة :
عنوان النص لفظ مفرد نكرة، ولك أن تفسره ب ( جميلة، رائعة، عجيبة، بلغ الغاية في الجمال، شيء مبتكر أو لا نظرير له، وجمعه على بدائع وبديعات،... وقد يكون بمعنى البدعة والابتداع السيء أو الحسن... )
_ بعد أربعينية والدها_ رحمه الله_
هذه الظرفية الزمانية التي ابتدأت بها القصة، جسدت العنصر الحكائي بقوة لافتة، تشد انتباه القارئ لمعرفة، ماذا حدث بعدها، إضافة لزمن الفعل الماضي، والذي أعده الأنسب للحفاظ على العنصر الحكائي لأي نص وبشكل عام.
فكان :
( #جاشت مراجلي )، وهو قول عربي شهير، يدل على الغضب والانفعال والغليان، وكثير من الشعراء، يوظفونه في أشعارهم كما في قول #الخنساء :
فكأنما أضاء وجاش مرجله
فلنعم رب الناس والقدر.
وكذلك الكتاب ومنهم الكاتب/ مصباح الصديق.
(وجاشت مراجلي)،هناحسن توظيف _ في تقديري _ أفضل من قول الخنساء!
فبعد ليلة الأربعين التأبينية لوالد الزوجة، جاشت مراجل الزوج، ثارت غرائزه الرجولية الفطرية، فقد سار الرجل أربعين ليلة وهو دون زوجته وهذه من معاني : جاش الرجل أيضا!
ولم يقصر، فقد أمهلها، وقدر ظرفها، وشاركها حزنها...
فحين نقول : أرجل الرجل فلانا ، فإننا نعني أمهله!
لكننا هنا نلمس أيضا تمرجل الزوجة، وفرض رأيها، وتقولها، فهي لم تتذكر زوجها تلقائيا،إلا بعد أن جاءها هو !
غلت واغتاظت مشاعره الرجولية، العاطفية ذات الغريزة التي تطلب زوجة، وهذه سنة الحياة الكونية، التي يجب أن تستمر، ولأن زوجته قداستغرقها الحزن، إضافة لطبيعتها المحبة للسيطرة،
تجاهلت وتناسلت واجباتها تجاه زوجها...
_ صحت فيها.
ترجمة الغليان والغضب الشعوري الداخلي، المقابل بالبرود من جهة الزوجة،كان الإفصاح عنه بصياح الزوج، وبقالب حواري مستنكر واعظ،
_ #مالك ؟
#المحطات للمرور، وليست للإقامه !
نص لا فت فعلا، وباقتناص ماهر للفكرة ( الحدث الواحد...، في ظل تعدد الشخصيات)،
( إيش يعني أبوك مات خلاص، تتوقف حياتنا؟
_ هيه إصحي، أنا هنا ولي عليك حقوق، مش كافية أربعين يوم ؟ تحركي ...).
فعلا
كل محطة تطرأ في هذه الحياة، لا يجب أن تفرض طابعها، على حياتنا القادمة، لابد من أخذ العبرة،والعظة ومن ثم الاستمرار لا التوقف، بطابع وعظي خفيف مقبول هنا لأنه بنكهة المفارقة القصصية(موت، حياة، توقف، مرور، إقامة).
_ #عبرت.
استهملت النصح والتوجيه، مستجيبة مستشعرة حالة زوجها الانفعالية وعبرت محطة حزنها على والدها!
_ثم ماذا؟
_تكون المفاجأة!
أزالت نطاقها وتخشبت!
النطاق : الحدود، والمجال، والمدى لأي شيء كان.،
والنطاق : حزام تشد به المرأة وسطها، وهنا ترميز قوي لعدم الاكثرات واللامبالاة بالزوج، وبحالة ارتخاء تام من قبل الزوجة تجاه الزوج.!
فهي هنا،وإن استجابت لصياح الزوج وانفعاله وغضبه،إلا أنها تجاوزت حدودها معه، وأعلنت تحكمها فيه صراحة ولم يعد مجرد تلميح يفهم من سياق القصة، بل هي من النوع المحب للسيطرة على الرجل والتسلط عليه في إيحاء قوي نفهمه من عبارة(أزالت نطاقهاوتخشبت)، تصلبت رفضا وعنادا ،وفرضا للرأي ،وحبا في السيطرة والتحكم بالرجل، نص اجتماعي واقعي جدا،،طرق مسألة دقيقة، بإيحاءات علاجية،إن بدت شكائية من هذا النوع من النساء، إلا أنها ناصحة ومحذرة،فتبعل المرأة على الرجل لا ولن يحتمل، وعلى الرغم من أنه يمكن تأويلنا للعنوان ( #بديعة) وهو الشيء الجميل، وتخشب الزوجة وهو أمر مبتدع قبيح،إلا أني أرى أن الكاتب لم يوفق بشكل كبير في اختيار العنوان، ليشكل المفارقة العامة، أو الكلية لمتن النص وعنوانه، إضافة إلى أن التكثيف لم يكن حاضرا كالإيحاء، وبأسلوب وعظي مباشر فيه شيء من الترميز.
وكما هو معلوم كل قراءة لنص قصير جدا، بصفة عامة ليست نهائية، وقراءتي المتواضعة هذه، لم ولن تغلق باب قراءتها لمن أراد..
تمنياتي للكاتب بالمزيد من الألق والنجاح..
________________
* قاص وناقد يمني.