الحِبْرُ عَلَى أَوْرَاقٍ خَلَوِيّة //بقلم أ. الشاذلي دمق

  الحِبْرُ عَلَى أَوْرَاقٍ خَلَوِيّة  


لا يَهُم من  وضع الحِبْر .. ربّما هو ! ربّما هي ! .. المُهم  أنّ أحدَهما أمْلَى مُهجةَ روحه ، و الآخَر  كَتبها بِنَجيع قلبه  .. فاقرَأْ أنتَ بمجامع وجدانك 

- لو سمحت -  فلعلّك تكون أنت هو من وضع :


    الحبر على أوراقٍ خَلَوِيّة 


مِن وراء تُروس  الوعي

و مِن خَلف مَنافذ  الصَّحْو ..

و في غفلة المُحاذِر ،

و سِنَة  الوَسْنان 

اِجتاحني الإعصار

و اكتسحتْ أنواؤُه

ضِفافيَ  المَحْظيّة .

 

كَماردٍ  بالأنسجة الحيّة

تغلغل في الخلايا النّائمة

و نَفذ إلى تلافيفي النّامية

فَخَلخلَ قناعاتي 

و بَلْبَل أنساقِيَ الفكريّة .


مثل الكَهَنوت

عَرّى إحجامي ..

تردُّدي و ارْتيابي ..  

حَذري و انْحِساري .. 

و اقتحم حُصونَ المناعة 

مِن ثغورها الخلفيّة .

  

هو من كسّر حاجز خوفي ..

و رمَّمَ أحلامي ،

و لَمْلم حُطامي ،

و نفى عزلتي 

و أسقط أقنعتي الخفيّة .


خاتلني في الزّمن الجاحد 

و فُتور وِدِّيَ التّالِد .. 

و للنّخاع و العظم ،

توغّل في جسمي كالشّظيّة .


و بداخلي ، زرع ألغامه .. !

و فَجّر 

معجزة النّكران و النّسيان

لأعوامِيَ الغبيّة .


حين باغتَني ،

كان بَلْقَعًا نابضي .

فَغَشيَني غَمْرُه 

حتّى اِسْتوى 

حُدودَه السّويّة .

  

أقام نفسه شَمعدانا 

تَمتْرس بأعماقي 

لا شريك له ،

يُبدِّدُ دُجْنةَ خافِقي 

و أغْوارَ الطّويّة

 

و لأجلي ..

اِنتحَلَ المُعجزَ ، 

و المستحيل ..  

و طهّرَني 

من وَثَنيّةِ الحُبّ ،

و مِن عُقَدي  

و تَهْوِيماتي الرّمادية .


و أقْنعنِي

بأنّ كلّ شيء 

في  مَساري 

خاضعٌ للنّسبيّة ،

و لا أحد إلاّ هو 

المُطلقُ في حياتي 

و الحتميّة .

   

عَرَج بِي سَنام الشّغَف ..

صار من الذّات نُبذة ..

و مِن الكيان فَلْذَة ..

و رفعني 

فوق المَصاطب العَلِيّة .

 

وهَبَني لذّةَ الأمن 

 وُجودُه ..

و نشوةَ الحُلم 

حُضورُه ..

و شهوةَ الطُّموح 

جُموحُه ..

و عوالمَ زاخرةً 

رأيتُها قُزحيّة .


جَذَلٌ و إيفاء .. 

حُبورٌ و ولاء ..

و نَوَالٌ ،

و فُيُوضُ سُلُوٍّ ،

و مَراتعُ نَعيمٍ مَخمليّة 


جَرَفني طُوفانه ..

هَمَرَ في الأوردة و الشّرايين 

عُبابُه ..

و بكلّ ما فينا 

من مواهب الإيلاف ،

اِبتلعني و ابتلعتُه 

زُهاء العشرين حَجّة  فَلَكيّة 


سَلسبيلاً 

تدفّق الوعيُ فينا . 

و سَلِيلَ أنهارٍ ،

و أوديةٍ ،

و عيونًا نقيّة .

 

و بِحارٌ على شُطآننا 

هدأت أمواجُها  

و أثْباجُها العتيّة .


و صاغ الوجودَ حِلْفُنا ،

فشكّل كِلانا في الآخَر 

حضارةً مُذهلة

امتزجتْ بالفطرة 

و الذّات و الهويّة .


في عُهدته هو ،

طُقوسُ الاِجتياح

 - الماجن و المقدّس - ! 

و ليس في  رَحْلِي 

غير شعائر الانبطاح  

بلا رويّة .


يااااااا  لَلْجَبروت !!!

و يا لَدِيبْلُوماسيّةِ الاِكتساح

على مراحل و منهجيّة !!!

  

استنزاف الحنين

لامتدادات الماضي  ،  

و اغتنام الفراغ ،

فاقتناص  لحظةِ الضّباب 

ثُم تفعيل قانون الجاذبيّة .

 

زَعَمَ أَنّي

أيقونةٌ للفتنة الكاملة

 تَسعى ..

و أنّي ألَقٌ خُلّب ،

و قَدٌّ يَتأوّد ،

و ظبيٌ أغْيَد 

تطفح منه الصُّوَر الشّعريّة 


و ادّعى أنْ لا نظير لي

إلاّ في منازل الخُلْد 

و الحُور السّنيّة ،


وأنّني فَيضٌ إلهيّ عارم ،

مَرَّ عليه 

مِن كلّ مَعابر البعث

و الإحياء 

بِمُنتهى العَفويّة .

 

الفؤاد و السّمع ، 

البصر و البصيرة

و السّجيّة .


و .. و .. و .. و ..

 باختصار ،

زهّدني في آماليَ القديمة 

و أنْبتني في الغيم 

قصّة أخرى ورديّة .


ليت التّاريخ يُعيد   

نفس الحَكايا

و السّرديّة .


غَزواتُ القلب ..

فتوحاتُ  الوجد ..

و ملاحمُ النّصر  

لطقوسنا البدائية .  


كيف أُعيد الآن نقطةَ البدء ؟

و مَركبُ الحياة

يُشارف مَراسِيَ الأُفول ، 

و مرفأَ الوصول 

لآجاله المَقضيّة ..


لم يعد في العَقِبِ 

وَعْدٌ أترقّبُه ،

جُلُّ ما في الرَّوْع 

أضغاثُ أمانٍ

و غَثٌّ و عَبَثيّة .


و بدون إشعار ،

تركني 

و الفؤادُ كَسِيف .. 

طَوقُه كالنّار ،

و الوَلَهُ فيه أَوار 

و المآقي نديّة .


انفرط منّي  

و تنكّر للعُهدة ..!

و خان العشيرة ..!

فمزّق الوصيّة ..!

و باع القضيّة ..!


و بسرعة فَرْقَدٍ آفِلٍ

و نجمٍ مُتَهاوٍ ،

انسحبَ إلى خطّ التّماس 

بين الصّحو و الإغماء ..

بين الخلود و الفناء ..

و تُهتُ أنا

في النّقطة المفصليّة .


إلهي 

يَقْظةٌ جامحة كانت هذي ؟

أم رؤى حالمة ؟

بأشباح عابرة ، 

و ملامح منسيّة ؟


عِقدان تَشظّيا من عمري 

و أنا  في مَسعى القِيافة

شحّاذ يَروم ضالّته ،  

و لازالتُ إلى الآن 

في مَتاهتي اللّولبيّة


بحثتُ عنه 

في طَلل الوجوه العابرة ..

في السُّحنات الغابرة .. 

في الملامح الحاضرة ..  

فما ظفرت بعين

أو أثرٍ له رمزيّة .


قيل أنّ  

أطيافه تركض

من حَدقة لحدقة ،

و على كلّ المرايا 

سافرة و سخيّة


قلتُ إذًا :

انتهى الأمر

و أفلت " المِنيار " 

من قضباني الواهية  

و قبضتي الواهنة ،

و لن يؤوب ، 

فالعودة تظلّ دوما  

على الأَنُوفِ عصيّة .


فتَنَتْه الحُرّيّة ..

و أغرته الأضواء الملتهبة 

و أغوته ذوائبَها  الذّهبيّة .


و الآن ، و قد أدبر  

غير آبِهٍ بإدماني عليه ،

يليق بي

الانقراض حتّى من خياله 

فأعفو و أتعفّف

و أغفر له

رغم الأذيّة .. ./ .


 

                                   بقلم الأستاذ 

                                  الشاذلي دمق

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مناجاة روح...زهور الخطيب

ابوي علمني ...هبة أبو السعود

تحايا...توفيق السلمان