لحظة فارقة بقلم :ماهر اللطيف

 لحظة فارقة


بقلم :ماهر اللطيف


قالت لي ذات يوم بصوت خافت يكاد لا يسمع متقطع وهي على فراش الموت وكل أفراد العائلة من حولنا يبكون ويتأسفون على حالها وما آلت إليه وهي تستعد للرحيل بين الفينة والأخرى :


- لما تبكون وقد شحبت وجوهكم وذبلت،وانطفأت أنوار خدودكم وحمرتها؟


- (محاولا التهرب من الجواب قدر الإمكان كي لا أزيد على ماهي عليه الآن) نحن ندعو لك ونطلب الله أن يشفيك، لذلك نبكي من كثرة الدعاء


- (ماسكة يدي بقوة ويبدو أن الألم قد ازداد لديها، مقاطعة والدموع تنزل مدرارا من عينيها) لا تحاول خداعي أيها العزيز، اصدقني القول ولو مرة واحدة قبل مماتي (تمنعني من الحديث حين أردت مقاطعتها وامرتني بالانصات) أتدري ما الموت؟ هل تعتقد أنه يأتينا مرة واحدة فيحرمنا من هذه الحياة؟ (وأنا أتابع باهتمام وبعض أفراد العائلة) لا يا حبيبي، فالموت يزورنا على مراحل في هذه الدنيا، فكلما مات صديق مقرب إلينا مات فينا جزء، وكلما مات قريب مات فينا جزء، وما إن تبخر حلم وخاب أمل مات جزء، وقس على ذلك إلى أن تأتي هذه اللحظة وتأخذ ما بقى من الأجزاء وتطهر الأرض من هذا الجسد العليل والمنقوص من معظم اجزائه يوما بعد يوم...


وفجاة سكتت ولم تنطق بحرف وأشارت لي باصبعها إلى الماء، فناولتها مطلبها واعنتها على الارتواء - وإن لم تبتلع غير قطرة أو قطرتين على أقسى تقدير- ثم عادت إلى حالتها الطبيعية وهي ترفع اصبع التشهد وتنظر إلى سقف البيت دون أن تعير اهتماما لمن حولها...


وبقيت هنيهة كذلك قبل أن تلتفت الي وتسألني "أين توقفنا في الحديث؟"،تبتلع ريقها وتبتسم ودموع عينيها تذرف بقوة وحرقة، ثم تصيح صيحة قوية زعزعت بها أركان البيت وهي تقلم باظافرها لحاف الفراش بقوة غير معتادة وجسدها يهتز ويسقط على الفراش وهي متوجهة نحو القبلة وتردد الشهادتين باستمرار إلى أن هدأت وسكنت بعد أن باتت جثة هامدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.